أثناء تصفحي لحسابي على أحد منصات التواصل الاجتماعي لفت نظري فيديو لشاب يتحدث عن صديقه وكم هو صديق رائع، وأفضل شخص حظى به في حياتي، وعليه فهو يتعجب كيف تركته حبيبته، وما لفت نظري أكثر هو تعليق على الفيديو أخذ الموضوع لمنحنى اخر حيث فسر ذلك بأن شخصيات البشر تختلف باختلاف علاقاتهم، فمثلًا قد يكون الإنسان صديق رائع وداعم وحنون، ولكن كشريك حياة قاسي وسيء الظن وبارد المشاعر، وقد يكون جيد جدًا مع شريك الحياة، ولكن مع أهله غير بار ولا رحيم، قد يكون مع أصدقائه خير ونس ومع أخوته ملئ بالغيرة والمنافسة ناحيتهم، ولهذا سؤالي لماذا يفعل الناس ذلك؟ لماذا يغيرون شخصياتهم على حسب العلاقة! كيف لشخص لا يستطيع أن يحزن والدته أن يهين زوجته؟ وكيف لفتاة مثلً أن تدعم صديقتها في أصعب الظروف ولا تتحمل الحديث مع اختها ٥ دقائق! هل واجهتم مثل تلك الأشخاص من قبل؟
صديق رائع ولكن شريك حياة كارثي. لماذا تتغير شخصيات البشر في علاقاتهم المختلفة؟
نعم رأيتها كثيرا، خاصة بعلاقة الصداقة والزواج، فالإنسان لا يمتلك شخصية واحدة ثابتة، بل يمتلك ما يُشبه أنماطًا سلوكية متعددة، تظهر باختلاف الأدوار التي يؤديها والعلاقات التي يدخل فيها. فقد يكون في دور الصديق داعمًا، عطوفًا، حنونًا، لأنه في هذا الدور لا يشعر بالتهديد، ولا تُثار داخله صراعاته أو جروحه النفسية.
لكن حين يصبح شريك حياة، قد يُستدعى من داخله كل ما خُزِّن من تجارب مؤلمة، أو تصورات مشوّهة عن الحب أو السيطرة أو الكرامة، فيتحول فجأة إلى شخص آخر. ليس تناقضًا متعمّدًا دائمًا، بل هو انعكاس لصراعات داخلية لم تُحل.
مع احترامي لكِ يا د. نورا، لكن استخدام مصطلحات مثل "تُستدعى الصراعات الداخلية" و"تُثار الجروح النفسية" لتفسير التحولات السلوكية السلبية ليس تحليلًا ناضجًا بقدر ما هو تبرير ناعم للسلوك المؤذي.
نعم، الإنسان يعيش أدوارًا متعددة. لكن هذا لا يعني أن يتحوّل إلى نسخ متناقضة متذرّعًا بماضيه كلما فشل في ضبط نفسه.
منطقك مع التقدير يجعل أي إساءة داخل علاقة عرضًا جانبيًا غير مقصود لتجربة قديمة، وهذا ببساطة يهدم مبدأ المحاسبة والمسؤولية الأخلاقية.
من يؤذي شريك حياته ثم يقول هذا انعكاس لجرحي القديم، هو ليس ضحية، بل شخص يرفض أن يواجه حقيقته.
نحن لا نحتاج إلى مزيد من التجميل لسلوكيات مدمّرة تحت عناوين تحليل نفسي. بل نحتاج إلى الاعتراف الصريح.....ليس كل متغيّر مظلوم... أحيانًا هو ببساطة مؤذٍ، لكنه بارع في تبرير أذاه.
نورا لم تقصد التبرير ولا التجميل من الأفعال المؤذية. هي تفسر فقط الحالة التي نتناقش حولها وتفسيرها ليس بخاطئ! فهم أسباب المشكلة ليس تبرير بل دعوة للوعي والتفكير ومراجعة النفس لإيجاد حلول. كثير منا لا يدرك تأثير صدمات وجروح الماضي عليه ولا ينتبه انه يؤذي غيره بسبب احكامه المصدرة سابقا، الوعي أولى خطوات العلاج، لا يمكن لوم شخص غير واعي بمشكلته ولكن اللوم يقع حين تتم مواجهته بما يفعل حين يدرك آذاه ويرفض العلاج أو التغيير ويستمر في نفس السلوكيات التي أضر بها غيره.
لا يمكن لوم شخص غير واعي بمشكلته ولكن اللوم يقع حي
ومتى سقطت المسؤولية الأخلاقية عن الإنسان لأنه غير واعي؟ هل ننتظر منه أن يدرك أنه مؤذٍ بعد أن يحرق البيت؟ وبعدها نقول لا نلومه، بل ننتظر أن يعي؟
لو طبقنا منطقك، لتحولت كل إساءة إلى الآخر إلى حالة ما قبل الوعي، وبالتالي ينجو الفاعل من المحاسبة لأنه ببساطة كان يجهل أن تصرفه مؤذٍ.
إن فهم أسباب السلوك لا يعني تعليقه خارج دائرة المسؤولية. التفسير ليس عذرًا، والجهل بالأذى لا يعفي من تبعاته، بل يزيد من خطورته....
وتأكدي من هذا.... أغلب المؤذين ليسوا جهلاء تمامًا بما يفعلونه، بل يتغذون على بيئة خطابية مثل كلامك هذا، تُعطيهم غطاءً ناعمًا اسمه الصدمات القديمة وتحوّل ضحاياهم إلى أدوات لفهم ذواتهم.
والأخطر من ذلك أن هذا النوع من الخطاب يطلب من الطرف المتضرر أن يتحمّل المزيد من الألم بصبر إلى أن يُشفى الجاني! وكأن الضحية أصبحت مختبرًا علاجيًا لتجربة أحدهم العاطفية الفاشلة!
لا هذا ليس المقصود على الإطلاق! لم أقل أن نترك المؤذي ليسيء. ما قلته بالتحديد أن الشخص المؤذي قد لا يكون مدرك لطبيعة ما يفعله وهذا حقيقة، البعض غير واعي بالفعل لا أن لديه مشكلة ولا بأسبابها، وهذا لا يعني ألا يواجه الطرف المتضرر الشخص المؤذي بما يفعل ويعلن احتجاجه ورفضه لهذه التصرفات ويوضح الأسباب. هنا تحديدا يبدأ تحميل الشخص المؤذي مسؤولية تصرفاته لأنه أصبح هناك عرض للمشكلة ودوره هنا هو العلاج ومحاولة التغيير فإذا لم يفعل وعارض وتكبر فهو ملام ومحروم من أي تعاطف أو تسامح.
التعليقات