يا شعب تشرين
يا تائهَ الدربِ هل ما زلتَ تحتكمُ
أم ضلَّ سيفُكَ بين اليأسِ والوهمِ
هذه نوافذُ تشرينٍ تنادينا
تبعثُ الدمَ الذي غاضت بهِ القِمَمُ
نوفمبرُ الحرُّ لا منّاً ولا مِنّةً
بل صافحَ الأرضَ كي تنهضَ من العدمِ
سقى الترابَ بأساطيرٍ مؤرَّخةٍ
حتى غدا الوهمُ تحت خطاهُ منهزمُ
يا سائلَ الدهرِ هل للناسِ متّسَعٌ
أم كلُّ نافذةٍ تُبنى على السَّقَمِ
ما بينَ بارقةٍ والنارِ مفترقٌ
والدهرُ أعمى ولكن تُبصرُ القِيَمُ
ما زلتُ أحملُ في دربي مواجعَهُ
يمضي وأمضي ولا ننجو من الألمِ
واليومَ تبكي الدروبُ السُّمرُ خيبتَنا
ونحنُ نبكي ولكن ليس للعلمِ
يا وجهَ تشرينَ هل ضاعت رسالتُهُ
أم خانَ أحفادُهُ التاريخَ بالنَّدَمِ
هو من شقَّ دربهِ حقًّا وأوقدهُ
فاستوقدَ الفجرُ من صبرٍ ومن هِمَمِ
هل كان يرضى بأن يُملى على وطنٍ
أم كان يصنعُ فجرًا دونما ندمِ
نوفمبرُ اليومَ لا يشكو مواجعَهُ
لكنّنا نحنُ من نشكو من السَّقَمِ
نحنُ الذينَ على الأحقادِ أفرشنا
ظهرَ البلادِ فصار السهلُ كالجُثَمِ
كم كان يصرخُ فينا: لستُ منفصِلًا
بل أنتُما أيُّها الجزآنِ في رَحِمِ
لكنّنا أفسدتْ أوصالَ وحدتِنا
سيوفُنا لا سيوفَ الحاقدِ العَرِمِ
يا شعبَ تشرينَ كنتَ الأمسَ ماثرةً
والآنَ من يوقظُ الأحرارَ من سَقَمِ
هذا سؤالُ الهوى لو كنتَ تعقِلُهُ
ما كنتَ تَسْلخُ جلدَ العزِّ من عَلَمِ
والأرضُ ترجفُ إن خانوا مواعيدَها
لا الصخبُ يجديهمُ لا خُدعةُ الكَلِمِ
ماذا نقولُ لنوفمبرَ وقد خذلتْ
أيدٍ بناها وعادت تحصدُ النَّدَمِ
يا ثورةً صاغتِ الأمجادَ في دمِها
نبقى على العهدِ أم نرميكِ بالعدمِ
لا زالَ فينا شذى الأمسِ الذي انتصرَتْ
بهِ الرماحُ ولكن خفَّ في الهِمَمِ
لا زالَ في الأرضِ من يبكي مناقِبَهُ
لكنَّ في الناسِ من يبكي على الغَنَمِ
يا أيها الزمنُ المسعورُ معتدِيًا
هل جئتَ تسلبُ من تاريخِنا القِيمِ
لن تسلبَ الشمسَ، فالتاريخُ يحفظُها
مهما تمادى قطيعُ الليلِ في الظُّلَمِ
تشرينُ جاءَ كي يمحو مذلّتَنا
واليومَ نأتي نعيدُ الذلَّ للأُمَمِ
كم خان أحفادُهُ كم باعَ بائعُهم
ثوبَ النجاةِ فأضحى العارُ كالغُمَمِ
قد علمتنا الخطوبُ الصبرَ فاصطبرْتُ
فلم نحفظِ العهدَ في الشدّاتِ والكَلِمِ
والأرضُ تصرخُ: أينَ السابقون؟ أرى
في العينِ وهجًا وفي الأعماقِ مُلتحِمِ
أم قد تكسّرتِ الأحلامُ في دمِهم
فاستبدلوا بالقُوى أشباهَ مُنهَزِمِ
نوفمبرُ العربِ لا تُخفى مآثِرُهُ
ولا يُباعُ وفي العهدِ بالذِّمَمِ
والآنَ يسألُنا: هل في قلوبِكمُ
نبضٌ يعيدُ إلى الأحرارِ مُعتصَمِ؟
هل في ضلوعِكمُ ريحٌ تزمجرُ إنْ
مرَّ الخنوعُ عليها مرةَ الصَّنَمِ؟
أم أنكم خيرُ شعبٍ إن دعا طَمَعٌ
شرُّ الرجالِ إذا نادى لكم حُلُمِ؟
نوفمبرُ اليومَ لا يبكي على زمنٍ
بل يبكي على وطنًا يقتاتُ من أَلَمِ
إن كانَ في الأرضِ من يرجو كرامتَهُ
فالقدسُ أولى وفيها يبتدي القَسَمِ
واليمنُ الحرُّ من أنفاسِ معركهِ
يعطي العصورَ رنينَ السيفِ والقِدَمِ
يا أيها الشعبُ إمّا أن تُجدّدَ أو
تدفنْ الروحَ في أشلاءِ كلِّ فمِ
واختمْ قصيدتَنا إمّا غضبتَ لهُ
أو عاشَ تشرينُ والمقهورُ في عدمِ