أيا عَيْنَ مَنْ سافَرْتِ عنّي كأنّما

خَرَجْتِ منَ التكوينِ والإِعْرابِ

وكُنتِ مَدىً للرُّوحِ قبلَ ضياعِها

فَما لِيَ لا أَهْوِي سوى لأحبابِ

أأُقْسِمُ أنّي كنتُ أهوى لَمحَها

فَما العَيْنُ إلا وَحْيُكِ السَكْبَابِ

أيا نَفْحَةً من مُصحفِ الحُسنِ نَزَّلَتْ

على جَفْنِكِ الآياتُ كالألقابِ

سَقَطتُ سُجودًا عندَ حافّةِ نَظْرِكِ

وما بينَ أهدابِكِ المِحرابِ

يُقِيمُ دُعائي كلُّ جُرْحٍ ناطقٍ

ويسجدُ دمعي عندَ كلّ غِيابِ

أيا فتنةَ الآزالِ إنْ مرَّ طيفُكِ

تَرَنَّحَتِ الأكوانُ في الألبابِ

لَعينُكِ وَقْعُ السَّيفِ إنْ لاحَ بَرقُها

وفيها تُقامُ قيامةُ الأحبابِ

فلو شَقُّوا قلبي لكانَتْ سُهادُكِ

يَضيءُ بها جُرحي بلا إسعابِ

تَرَكتِ ضُلوعي في يَبابِ تَجَلّدي

كأنّكِ رَحْلٌ قَطَّعَتْهُ الرِّكابِ

وما زلتُ أمشي في مَدائنِ وَجدِكِ

وحيدًا كأني آخرُ الأعرابِ

أُحاوِلُ أن أسترجِعَ الظِلَّ حينما

تُغادرُهُ الأرواحُ في المِحرابِ

وعيناكِ.. لا عَيناكِ ذِكرى تَهاجَرتْ

ولكنّها كالسِّرِّ في الأنسابِ

يَفيضُ بها ليلُ الحنينِ وإنْ نأى

وتَحضُرُ في كُلِّ الهُوى والبابِ

كأنّ بها قَسَمًا منَ الدهرِ خُطّ لي

وفيها نُبوءاتُ الفُتى المُرتابِ

أحِنُّ لِمُقلَتِكِ التي ما انثنتْ لَنا

ولا رقَّ فيها سُهدُها المُنهابِ

كأنّكِ وحيٌ جاءَ في كَفِّ حالمٍ

وصافَحَ قلبًا تَحتهُ لهَبُ الغَابِ

فَما نَظَرَتْ إلا وألْقَتْ بجُرْحِها

على مَرْفَقي كفُّ السُيوفِ الغِضابِ

أيا سِحرَ عَينيكِ اعتليتُ مَناسكًا

ولم أرتوِ منها، ولا الأطيابِ

ففي جَفنِكِ الفردوسُ إنْ ضاقَ مأْتَلي

وفي هدبِكِ المَنْفى بلا أسبابِ

كأنكِ سيفٌ شُحِذَتْهُ الحَقيقةُ

فَقَطَّعَ ما بيني وبينَ عِتابي

عَجبتُ لِمَنْ غابَتْ عُيونُكِ عنْهُ

وما زالَ يشقى في دُروبِ العَذابِ

أنا الناظِرُ الأولُ في سِفرِ سِرّكِ

وفي عَيْنِكِ المُختومِ بالأهدابِ

تركتُ فُؤادي عندَ فَجرِكِ نازفًا

وما عادَ يرنو غيرَكِ من نُجّابِ

وفيكِ اعتلى وجدي مقامَ شريعةٍ

وصارَ الهوى في عينيكِ مِنْ كتابي

وما الشعرُ إلا بعضُ رَجْعِكِ إنْ بدا

وما الحرفُ إلا حالمٌ مُستتابِ

إذا قِيلَ مَن أهوى أشرتُ إلى المدى

وفيه جلالُكِ ساطعٌ كالشهابِ

فَعودي وإلّا طالَ جَمرُ تَوقُّدي

وصارَ دُعائي من رَمادِ خَوابي

فَما عادَ في عُمري سِوى طيفِ عَينِكِ

وما عادَ صوتي ناطقًا من صوابِ

وإني كتبتُكِ في السطورِ شهيدةً

وفي كلِّ بيتٍ دمعةُ المُغتاب

• صلاح الدين العفيف