كتبت فقرة تلخص ماضي شخصية في رواية أعمل عليها، وهي بمثابة مقدمة قبل بداية القصة الفعلية. عندما قرأتها أختي، قالت إنها لم تفهم السرد وأنه غير واضح. أود أن أشارككم الفقرة لتقرؤوها وتخبروني بصدق: هل فهمتم ما يحدث فيها؟ وهل الأسلوب واضح أم يحتاج لتعديلات؟
شكرًا مقدمًا.
في فجرٍ بعيد، حينما يفصل البحر بين قلبين ملتهبين، توحدت قصتان متباينتان في مشهدهما وهدفهما. على ضفاف الشمال، وُلدت مدينة لم تُبنَ على أسس الأباطرة، بل على جهد مواطنين بسطاء تحدّوا الزمن. تلك المدينة، التي أُطلق عليها اسم مدينة السلاح، لم يكن لها حاكم يسيطر على مصيرها؛ فقد كانت منارةَ الشجاعة والقتال، حيث نشأت قواتها من الرجال الذين تربّوا على خبرة الصيد، البناء، والرِهانات الليلية على قدر الفداء.
على الجانب المقابل، كانت مدينةٌ عظيمَة في بنيانها، لكنها معروفة بحاكمٍ فاسدٍ لا يرحم. ذلك الرجل الذي أطلق على نفسه لقب "القبطان" كان يسعى لفرض سيطرته على كل ما حوله، ليس بهدف القتل فحسب، بل لإدارة ممالك ملأى بالعزة والجبروت. عندما قرر القبطان الهجوم على مدينة السلاح، خرج من مدينته مع ثلاثمئة واثنا عشر رجلاً، معتقدًا بأن العدد وحده يكفي لتغيير الموازين. لكن القدر كان له رأيٌ آخر؛ إذ عاد من الهجوم خمسة وثلاثين فقط، جرّمتهم أحداث ذلك اليوم ووصفتهم بـ"أوغاد" بكل بساطة.
عندما أدرك أهل مدينة السلاح حجم الخطر، تجلت الانقسامات في صفوفهم؛ فقد خاف بعضهم وقرر الفرار، بينما قرر الغالبية أن يحاربوا حتى آخر رمق، فلا مجال للهدر في سنوات عمرهم. وبدأت تحضيرات الحرب تتشكل في أروقة المدينة؛ فقد ابتدأ الرجال بصنع الأسلحة والقنابل، وتعلّم الأطفال والنساء الفنون القتالية، حتى وصار لكل زاوية من المدينة حكاية استعداد وتحدٍ.
في خضمّ تلك التحضيرات، وصل خبرٌ من أحد الحراس يفيد بوفاة القبطان. فرح الكثيرون بهذا الخبر، ولكن كان هناك من شعر بأن الغطاء يخفي شيئًا آخر. لم يمض وقتٌ طويل حتى بدأت السفن تبحر من المدينة الجنوبية، حاملةً مؤونات من الماء والأغذية والأدوات الحياتية، مما أثار البهجة لدى النساء اللاتي كن يعشن في مدينة السلاح. انطلقت علاقات ودية بين نساء المدينتين عبر السفن، لتتحول صداقات مؤقتة كانت تعكس طيف الأمل والطمأنينة.
غير أن سعادة النساء لم تدم طويلاً؛ إذ حلّت حالة من الحنين دفعتهن للتجمع وإرسال رسائل إلى أزواجهن معلنين عن رغبتهن في زيارة المدينة المجاورة، معتقدات أن الحرب باتت ذاخنة وانقشعت مخاوفهن. اجتمع الرجال في مجلسهم المعتاد في إحدى الحانات، وبعد جدال طويل، اتفقوا على إرسال نصف الرجال معهم؛ ليضمنوا سلامتهم ولمدة ثلاثة أيام فقط، زينواها بثلاثة أيام إضافية اعتبرواها فترة زواج خارج المدينة. وهكذا انسابت الرحلة بكل تفاصيلها؛ فغادرت النساء مع أطفالهن – من الرضّع إلى الأكبر سنًا – في مشوارٍ هادئ.
ورغم أن مدينة السلاح عادت إلى روتينها اليومي، إلا أن نصف الرجال بقي في حزنٍ واشتياقٍ، محاصرين بمرارة فراق أحبائهم.
وبينما حاول أحد صيادي البحيرة أن يسترجع هدوءه بتأمل الموج الهاديء، لاحظ من بعيد خشبةً كبيرةً تنساب عبر الماء، فإذا بها قاربٌ صغير مغطى بقماش أبيض. لم يستطع احتواء فضوله، فاقترب وبإزالة الغطاء الأبيض اكتشف مأسةً لا توصف؛ إذ كان القارب مليئًا بجثث النساء والأطفال. كانت جثة زوجته بين تلك الكائنات الصامتة، ونابض الحزن قد اختطف قلوب من شاهدها. صاحت المدينة بأكملها، وتصاعدت الأنينات والصرخات حيث وجدت الأسر ما تبقى من أحبائهم؛ أطفال ونساء داموا مشوهين، وكلهم عرضةً للتنفيذ في أسوأ لحظات الحزن.
وفي إحدى أجساد الضحايا، كان مكتوبًا بخطٍ جريء:
"مغفلين، هل تظنون أن القبطان سيموت؟"
هكذا أدرك الجميع أن ما مروا به لم يكن مجرد صدفة، بل خطة مدبرة بعناية من عقول متآمرة. إذ أن القبطان لم يمت؛ بل زوّر موته لينعم أهل المدينة بالطمأنينة، وأرسل لهم سفن الإمدادات بينما وجه نساءه للتودد إلى زوجاتهم، فاستدرج منهم 28 زوجة وطفلاً ليذوقوا مرارة الخيانة في وقت لاحق.
ولم يقتصر الأمر على هؤلاء، إذ تبين أن بعض الزوجات، من بين الأعداد، كنّ متزوجات من حكام أقوى منه. فتجمعت تلك الفئات، وقرروا أن يهجموا على مدينة القبطان لاسترداد حقهم؛ إذ استهدفوا خطف 28 زوجة وطفلاً آخرين وقتلهم دون شفقة. انطلقت السفن على حين غرة، تاركين خلفهم رجالًا يُتركون لحماية من تبقى من الزوجات، بينما كانت مهمة أخرى تُركز على دفن جثث النساء اللواتي لقين حتفهن.
في قلب تلك الفوضى، برز رجلان من أسوأ وأنهب رجال مدينة السلاح، الأول يُدعى "بادرت"، والآخر لم يُذكر اسمه، وكان مصير زوجة الأخير أن تكون إحدى ضحايا تلك الفوضى. عند بزوغ فجرٍ جديد، حوالي الساعة الخامسة صباحًا، خرج هؤلاء على متن سفنهم متسللين إلى مدينة القبطان النائمة، حيث قلّت حراسة المدينة بسبب غفلة الحاكم الذي اتضح أنه أكثر غباءً مما توقعوا. هجم هؤلاء على أول أربعة منازل، حيث لم يجدوا مقاومة فاعلة فقُتل كل من بداخلها، وفي أربعة منازل أخرى خطفوا السكان وأعادوهم على متن سفينة كتحذير صارم للقبطان.
حتى الآن، تظل الأحداث معلقة دون هجومٍ مؤكد أو تطور يغير مجرى الأمور.
التعليقات