لا تمد رجلك على قد لحافك!

نعم صحيح فلا تمد رجليك على قد لحافك وحسب!

كثيراً ما سمعنا بهذا القول في الماضي، وشهدنا تداوله وبِكثرة وعلى جميع الفئات وعلى كل المستويات، وفي أوقاتنا الحاضرة؛ لهذا فليس من المُستغْرَب أنك قد سمعت، أو أيضاً كذلك لا تزال تسمعه! وبالتأكيد فلا يزال هناك الكثير ممن يتشدقون بألسنتهم ويتحدثون بأفواههم، وذلك إما ومن خلال التكرار، أو من خلال الاستمرار في الترديد لمَقولتهم المأثورة تلك وهي: مد رجليك على قد لحافك!

حتى أصبح الكثيرون منهم لا يفقهون، ولا يعرفون، ولا يكاد أن يدركوا الأثر ومن كلتا ناحيتَيه: الناحية الإيجابية وأيضاً الناحية السلبية، والتي سندلف إليهما من خلال التالي:

حتى أصبح غالبيتنا كثيراً ما يُرددون ويكررون هذا القول على ألسنتهم كثيراً، وذلك سواءً كان على مستوى الأسرة، أو على مستوى الجماعة، أو على مستوى الأصدقاء والزملاء! وكل هذا الترديد والتكرار لا يتعدى كونه ترديد كَترديد الببغاء!

ودون أدنى تَعَجُّب منهم، أو حتى لحظةً للتفكير حول هذا القول، ومدى فاعليته ومُناسَبته للحال ومُوَافَقَتَه للمَقام! أما عن تجربتي مع هذا القول، وكذلك رحلتي، فأكاد أن أقَسِّمَهَا إلى ثلاثة مراحل، منذ البداية ومروراً بالمنتصف، وحتى النهاية.

أما عن تلك المراحل الثلاث، فسَأقوم بتوضيحها وذكرها وسرد مُوجَز عنها، كما هو موضح في التالي:

المرحلة الأولى:

أما أنا نعم، فلقد سمعته كثيراً وما زلت أسمعه؛ حتى سئمت سماعه! ولكن ربما ومن الممكن أنني سأستمر في سماعه! وهذا الاستمرار ليس بِطَوْعِي أو برغبتي! بل قد أكون مُكْرَهَاً، ومُجْبراً على هذا الاستماع المستمر؛ وحتى وإن قُدِّر لهذا الاستماع أن يزول ويندثر، إلا أنه سيبقى معي، وسيظل يُرافقني صدى وأزيز هذا القول الذي لم أفهمه، ولم أعرف المقصود منه حينها.

وكذلك بقيت على هذا الحال، وأنا أجهل دلالاته ولم أتوصَّل إلى مراميه! لذا وعلى هذا الأثر سيبقى صداه بداخل أُذنَاي يَرُن ويرن، حتى أضحى هذا الرنين وهذا الأزيز مُلازِماً لي أوقاتاً وأزمنةً كثيرة.

ففي هذه المرحلة بدأت تراودني أفكاراً مختلفة، وتحليلات ومعانٍ متنوعة حول قولهم مد رجليك على قد لحافك. لكن وبالرغم ومِن كل هذا لم أتوصل منه، ولا حتى من خلاله لأي نتيجة تُذْكَر، أو لأي حقيقة أو معنى يُعْقَل!

لكن وفي حقيقة الأمر أن النتيجة الوحيدة التي وضعتها أمام عيني، وكذلك آمنت بها، هي أنني لم أؤمن ولم أقتنع، أو أصدق، حتى كذلك وأقلها لم تكن لدي مجرد قابلية من أجل النقاش بهذا الحدث!

المرحلة الثانية:

وفي هذه المرحلة انتقلت من تلك الأفكار والتحليلات والمعاني إلى عدة تساؤلات واستفهامات أضحت تراودني، وأصبحت تجول في سَنَا عقلي، وأيضاً كذلك تحوم في واحة فكري. حتى ما إن استقرّت في بستان مخيلتي ولم تفارقه منذ ذلك اللحين. ومن تلك اللحظة وهي لا تزال تجول وتحوم في خاطري، وما زال جَولانُها وحَومانُها يُرافقني ولم يُفارقني!

ومن تلك الأسئلة على سبيل المثال لا الحصر، مايلي:

س: كيف وماذا لو لم يكن لديّ لحاف من الأصل؟ هل سيضَلوا صامتين ولن يتشدقون بهذا المثل أمامي؟ أم سيبحثون معي لإيجاد لحافاً؟

س: ماذا لو مددتُ اللحاف على قد رجليّ؛ ماذا عن الجزء المتبقي من جسدي مكشوفاً؛ والذي لم يكفي اللحاف ليُغطيه؟

وعلى غرار تلك الأسئلة السابقة، وعلى مساقها أضعاف مُضاعفةً كنت أتسائل بشأنها؛ طبعاً بحكم المرحلة والبيئة والظروف؛ وعدم توفر الموارد، أو سهولة الوصول إلى المصادر والمراجع؛ ظلَت كل تلك التساؤلات ولم أجد من يشاركني، أو يناقشني فيها ولو من باب المجاملة، والتسلية.

المرحلة الثالثة:

ثم شيئاً فشيئاً وأنا لا أزال في مُعْتَرَك وفي جدال، وبالأخص مع ذاتي؛ وكان كل ذلك المُعترك والجدال تدور رحاه بخصوص تلك الأسئلة وتحوم حولها وحواليها، وكل ذلك كان سببه الشغف والشوق والإقبال إلى معرفة التفسيرات المُبْهَمة، والإجابات المُلْهِمَة؟

وإن كانت لها إجابات في الأصل وفي الأساس؟ فهل يا تُرى سأحصل على تلك التفسيرات، وتلك الإجابات؟ إذاً وماذا سيكون حينها إن لم تُقنعني! أو كانت غير منطقية، أو غير كافية ولا شافية؛ أو كان يكتنفها الغموض، ويُغَطيها عدم الوضوح؟

وكان هذا مع بداية دخولي لهذه المرحلة، ففي هذه المرحلة تولّد لديّ سؤال واحد فقط؛ ولكن لحجمه الثقيل رأيت فيه أنه لوحده في كفة والأسئلة السابقة ستكون في الكفة الأخرى، لكان حتماً سيكون الرُجْحَان له! وبلا مجاملةٍ ولا مبالغة. لهذا سأضعه وكما ورد في خاطري دون زيادةً أو نُقصان.

وذلك التساؤل الذي راودني فإنه يتمحْوَر كما في التالي:

س: لماذا بدلاً من أن نمد أرجلنا على قد اللحاف ومساحته فحسب! ما المانع في تلك اللحظات بأن نعمل ونجتهد ونتعمَّق بالتفكير لِنَصِل إلى معرفة كيفية الاستفادة من مساحة ذلك اللحاف المحدودة، ومن ثم العمل على ذلك من خلال تطبيقه على أرض الواقع؛ والاستمرار في جعله ينمو ويزدهر ويزداد يوماً بعد يوم! ونكون حينها أننا استطعنا تحويل مساحة ذلك اللحاف المحدودة، ومن كونها سلبيةً إلى واقع إيجابي وأمر ملموس وموجود أمامنا وعلى أرضية الواقع.

مع الأخذ بعين الاعتبار في أنه لا يمنع أن نستمر في استخدامنا لذلك اللحاف المحدود مساحته، والاستفادة منه! طالما وأنه وفي نفس الوقت لم نقف مكتوفي الأيدي، ولم نبقى في أسْر ذلك اللحاف؛ طالما وأنه أضحى بمقدورنا تحويل مساحته المحدودة سلبياً، إلى حال ومقام، وإلى حلم أصبح واقعاً وملموساً ومنظوراً أمامنا.

كما أنه لا يمنع أيضاً بأن نمد أرجلنا على قد اللحاف الحالي وماحته المحدودة؛ لكن لا نجعل من هذه النظرية التي ليست على إطلاقها، وأن لا ننساق لها حتى نصنع منها أو نجعلها قاعدةً ثابتةً، ودون وعي منا ودون أن نَشْعُر، أو أن نُدْرِك هذا الأمر السلبي، ومن ثم نسير عليه ونحن لا نشعر. وقد نكون السبب في نقلها لأجيالنا جيل بعد جيل.

وفي لحظة ما؛ يعتقد الجميع بأن هذا مُسَلَّمٌ به، ولا يحتمل الخطأ، وهو الصواب! ومن ثم نعود من حيث بدأنا؛ ونُصبح ندور بِداخل دائرة مُفْرَغة إلا أن تعتقد الأجيال اللاحقة بأن هذه هي الحقيقة! وللأسف مثل هذا كثير لا يُعد أو يُحصى. ومن ثم تتوارثها الأجيال جيل عن جيل، وفي هذه الأثناء تبدأ صورتها تتكون، حتى تأخذ لها مكاناً في الثبات والاستقرار؛ وكأن شيئاً لم يكن.

والمُشْكل الذي سيكون عارضاً، هو عندما يظهر من يُكسِبها صفة الصواب والقطعية ويُكسيها ثوب الصحة من الخارج؛ بالرغم مع أن هذا كله زائفاً ومُضللاً! لهذا قد تجد حينها مجموعة منهم سيُعارضون.

أو كذلك أيضاً سيٌحاربون أي شخص منهم أو أي فرد من زمنهم، يبدأ ويتحدث بمثل هذا؛ ولو من باب السؤال، أو من باب الاستفسار والاستبيان؛ مُشابهاً ومُطابِقاً لنفس الذي راودني، وحام في مُخيلتي، وجال في خاطري، في زمني السَحيق. وفي النهاية أتوجه لهم بسؤال ورد إلى خاطري أثناء كتابتي لهذا الموضوع.

وهو ماذا إذن لو أن شخصاً ما كانت أرجله طويلة! "أي، أطول من اللحاف؟" بناءً على مُعتقدهم ذلك" فكيف سيُجيبون عنه في ذلك الحين؟

بقلم: عَبْدَالله بِنْ سَلمَانْ السَحَّارِي