فيلم Migration من أفلام الأنيمشين التي حققت ضجة وشهرة في الأيام الماضية، وبعدما شاهدته وجدت أنه استحق بالفعل ذلك الاهتمام، وعن نفسي أرشحه لسهرة عائلية لطيفة، فمن الجميل أن يجمع أي فيلم أو عمل فني ما بين المتعة والإفادة بالأخص لو كان عمل موجه للأطفال، ولكن الميزة المضافة في هذا الفيلم أن رسالته موجهة للكبار قبل الصغار، وفيها يبين الفيلم كيف أن الخوف المبالغ فيه من الأهل على أولادهم لا يحميهم بل يمنعهم من الحياة، ويمنعهم من استغلال الفرص الجيدة، وهذا إن سمحت دائرة الحماية التي يحيط بها الأهل أبناءهم لكي يعرفوا حتى عن الفرص! وأنا أتفهم فكرة الخوف بشكل عام، وأن دافعه هو الحب، ولكن يجب مراعاة اختلاف الزمن ومتغيراته، وهذه المتغيرات تأتي لنا بمتطلبات وتحديات يجب أن نتعلم مواجهتها لا تجنبها والهرب منها، وكذلك لا يجب أن يقيس أي إنسان قدرات أي شخص آخر على أساس نفسه، فإذا كان أي أب يستصعب فعل شيء ما أو يخافه، فهذا لا يعني بالضرورة أن ابنه سيكون مثله، وهذه نقطة لا يتفهمها أو يتجاهلها الأغلبية، فيحرمون التجربة على أبنائهم بناء على تجاربهم هم أو مخاوفهم هم، بحيث لا يعطون لهم أي فرصة للنمو أو للاختيار أو التطور الحقيقي.
فيلم Migration: خوف الآباء على الأبناء يضرهم أكثر مما ينفعهم.
لكن لا مانع من ترك بعض المساحة للتجربة لأن الإنسان بطبعه لا يصدق الأمر الذي يسمع به إلا حين يتعرض له فعليًا. حاول أن تخبره بأن النصابين في كل مكان، لن يصدقك كثيرًا إلا إذا رآهم بعينه. أخبره من هنا للغد بأن الحياة بها أشخاص سيئون ولن يؤمن كثيرًا إلا بعدما يرى أفعالهم.
حاول أن تخبره بأن النصابين في كل مكان، لن يصدقك كثيرًا إلا إذا رآهم بعينه.
ليست الفكرة أنه لن يصدق ولكن الفكرة أن ليس بيده شيء كي يمنع وجودهم مثلا، وأعني أن جزء أساسي من تجربة الحياة أن يتعرض الإنسان للأزمات وأن يقع في كثير من الأخطاء، وجود النصابين أمر لا مفر منه، قد أتعرض للنصب بالفعل كما يقول أهلي، ولكن هل هذا يمنعني من التقدم لأي تجربة خوفا من أن أتعرض النصب؟ تلك هي المعضلة الأساسية ومحل الخلاف القائم بين الأهل والأبناء، الأهل يريدون منع الأخطاء بمنع التجارب، وهذا في حد ذاته أكبر خطأ لأنهم بهذه الطريقة يحرمون الحياة نفسها.
وجود النصابين أمر لا مفر منه، قد أتعرض للنصب بالفعل كما يقول أهلي،
السماع ليس جزء من التجربة. التجربة هي أن يحدث الشيء وأن ترين نتائجه بعينك سواء حدث معك أو لم يحدث. صدقيني وصلت إلى هذا الاستنتاج مؤخرًا، فالسماع شيء جيد وقد يجنبكِ الوقوع في المشكلات فعلًا، ولكن يظل هناك احتمال لأن تقعي فيها. لكن تخيلي أنكِ رأيتِ بعينك النتائج على أحدهم أو -الأفضل من ذلك- عشتِ التجربة بنفسك، هذا سيكون أفضل من مائة نصيحة سماعية.
السماع لا ينقل التجربة كاملة، بل إنه قد يزيد فضول الابن للوقوع في المشكلة التي حذركِ منها الأهل، وقد يعتقد أنه البطل الذكي الذي لا يمكن أن يقع بسذاجة في المشكلة، ولكنه ما يلبث أن يقع فيها. لماذا؟ لأنه لم يرَ.
أفضّل أن يقع ابني في مشكلة (تجربة) مرة فيتعلم منها ألا يقع فيها لآخر عمره، بدلًا من أن يظل يسمع عنها فقط فيعيش إما بخوف من الوقوع فيها ويتجنب كل شيء، أو بفضول تجربتها.
أفضّل أن يقع ابني في مشكلة (تجربة) مرة فيتعلم منها ألا يقع فيها لآخر عمره، بدلًا من أن يظل يسمع عنها فقط فيعيش إما بخوف من الوقوع فيها ويتجنب كل شيء، أو بفضول تجربتها.
في النهاية اتفقنا في نفس النقطة، أنا بالفعل لا أؤيد حرمان الأبناء من التجربة، وأرى أن أفضل ما يفعله الأهل هو أن يدعموا ابنهم ليجد حل لمشكلته ولا أن يجنبوه تماما الوقوع في المشكلات، فهذا مستحيل كون المشكلات والأخطاء جزء من طبيعة الحياة.
إذا كان وجودهم أمر لا مفر منه لا يعني هذا ألا نحاول الفرار منه او حماية أبناءنا الذين هم مسؤوليتنا من التعرض لهذا، وأعتقد ان الإنسان على البر يكون من السهل عليه جدًا التنظير وأنه لو خاض التجربة سيجد الأمر مختلف تمامًا وانه في كثير من الأحيان يكون بحاجة للحد من التجارب التي قد يكون ضررها لا رجعة فيه، كالمخدرات وادمان الانترنت ووسائل التواصل وادمان الألعاب وغير ذلك من الأمور تدمر حياة الشخص قبل أن تبدأ من الأساس.
ألا نحاول الفرار منه او حماية أبناءنا الذين هم مسؤوليتنا من التعرض له.
كيف نحميهم ولا يوجد دليل أكيد على أن تلك التجربة ستضرهم؟ لماذا نحميهم من الأساس إذا كان الأمر هكذا؟
أنا لا أتحدث عن مخاطر واضحة وبديهية ونتائجها السلبية واضحة وضوح الشمس كالإدمان مثلا، بالطبع يجب علينا أن نحمي أبنائنا في هذه الحالة ونجنبهم التجربة في هذه الحالة، أنا أتحدث عن حالات مثلا كمنع سفر الابن للخارج للعمل أو الدراسة بدافع الخوف عليه! ألا تجد ذلك غير منطقي وما قد يتعرض له الابن في الخارج هو نفس ما قد يتعرض له داخل بلده، ولا أحد مهما كان يمكنه أن يمنع القدر؟
كيف نحميهم ولا يوجد دليل أكيد على أن تلك التجربة ستضرهم؟ لماذا نحميهم من الأساس إذا كان الأمر هكذا؟
معنى هذا الكلام أننا لا يجوز أن نحاول حماية أبناءنا من التجارب التي قد تضرهم إلا إذا نعلم الغيب ونكون متأكدين من أن التجربة سيكون لها تأثير سلبي على حياتهم بعد ذلك، هذا غير منطقي على الإطلاق، فنحن كبشر مهما حاولنا لن نعلم الغيب لهذا نفكر ونحسب الأمور بأفضل الطرق الممكنة لكل منا ونتخذ القرارات على أساسها ومن بين ذلك قرارات التربية.
التعليقات