في عالم يشهد تسارعًا غير مسبوق في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، يبدو أن الشركات الكبرى لم تعد تكتفي بالبحث والتطوير وحده، بل أصبحت تلعب لعبة الدعاية والضجيج الإعلامي بكل ما أوتيت من قوة، حتى لو كان ذلك على حساب المصداقية. أحدث الأمثلة على هذا ما حدث مع شركة OpenAI عندما أعلنت عن نموذجها المنتظر "o3"، وزعمت أن النموذج الجديد حقق 25% في اختبار FrontierMath، وهو اختبار متخصص في قياس قدرة النماذج على حل مسائل رياضية متقدمة.

هذه النسبة أثارت ضجة كبيرة، لأنها ببساطة تعني أن نموذج OpenAI تفوّق بمراحل على جميع النماذج المنافسة، حيث لم يتمكن أي من المنافسين من تجاوز حاجز الـ10% في الاختبار نفسه. وبطبيعة الحال، بدأت التغطيات الإعلامية والمحللون في الحديث عن "قفزة خارقة" في قدرات الذكاء الاصطناعي، وربما عن قرب الوصول إلى ذكاء اصطناعي عام.

لكن مع إطلاق النموذج فعليًا، بدأت الحقائق تتكشف شيئًا فشيئًا، واتضح أن الرقم لم يكن دقيقًا أو يمثل واقع الأداء العام للنموذج، بل ربما كان مقتطعًا من سيناريو اختبار معين أو تم تقديمه بطريقة تسويقية مبالغ فيها.

ما يحدث يعكس خللًا حقيقيًا في كيفية تقديم التطورات التقنية للجمهور. فبدلًا من الاعتماد على الشفافية والنتائج الموثقة، أصبحت بعض الشركات الكبرى تستثمر في البروباغندا أكثر مما تستثمر في التكنولوجيا نفسها. وهذا قد يؤدي إلى فقدان ثقة المستخدمين والمجتمع العلمي، ويغذي التوقعات الزائفة حول ما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يحققه الآن، وما لا يمكنه تحقيقه بعد.

أعتقد أن هذا يضعنا أمام سؤال محوري، هل مستقبل الذكاء الاصطناعي سيُبنى على التطوير والابتكار… أم الأكاذيب؟