أتذكر في مقرر معمارية الحاسوب في الجامعة معلومة ذكرت لنا في احد الشرائح عن المعالجات في الحاسوب، تقول هذه المعلومة أن المعالجات الموجودة اليوم تتبع مواصفات RISC أو هجينة، و لا يوجد أي معالج من النوع الأقدم CISC. ما جعلني أتذكر هذه المعلومة التي درسناها هي تلك النقاشات التي ظهرت في الإنترنت بعد أن أصدرت أبل سلسلة أجهزتها المزودة برقاقة M1 المخصصة لحواسيب ماك (رقاقة و ليست مجرد معالج). تتحدث تلك النقاشات عن رقاقة M1 (و كثير منهم يشير لها عن جهل أو تجاهل باسم معالج مع أنها رقاقة و أكرر هي رقاقة) على أنها تتبع مواصفات RISC، و ثم يقارنون الرقاقة مع معالجات إنتل (مقارنة رقاقة مع معالجات) التي تتبع مواصفات CISC. بالعودة لتلك المعلومة التي درستها، هذه المعلومة موجودة في كثير من الكتب التي تتحدث عن معمارية الحاسوب. دعوني أخبركم أن هذه المعلومة خاطئة تماماً و أساسها باطل. قد تتعجبون لكنه الواقع. قبل أن أتحدث عن الأسباب أوضح بعض المفاهيم و أحاول إيصال المعلومة بأبسط طريقة.

تعلمون في الرياضيات عملية الجمع، نجمع كل خانة (الآحاد مع الآحاد و العشرات مع العشرات و هكذا) و لدينا ناتج واحد، على عكس الضرب مثلاً لدينا عدة نتائج تكثر مع عدد الخانات ثم نجمع تلك النتائج لنعرف النتيجة النهائية. في الحاسوب الأمر مشابه، لكن مع بعض الاختلاف. على عكس الإنسان الذي يجمع كل خانة ثم ينتقل لبعدها، يجمع الحاسوب الخانات كلها في نفس الوقت، و لهذا تكتمل عملية الجمع في خطوة واحدة، على عكس عملية الضرب التي تتطلب خطوات أكثر. معالجات RISC تقتصر فقط على العمليات التي تكتمل في خطوة واحدة، لذلك لا توجد عملية ضرب، و هذا خلاف CISC التي فيها عملية ضرب.

ظهر مفهوم RISC بالأساس في جامعة كاليفورنيا بيركلي، بعدما أعلن مجموعة من الجامعة عن معالج RISC I المصمم بطريقة ما ليقتصر فقط على العمليات التي تكتمل في خطوة واحدة و للحصول على ترددات أعلى، و بعدها ظهرت لنا المقارنات مع المعالجات الأقدم التي سموها CISC و أهمها معالجات x86 التي تصنعها إنتل. بعدها ظهرت عدة معالجات صنعتها عدة شركات تتبع مواصفات RISC لكن تلك المعالجات وصلت إلى حد لم تتطور بعدها و ظلت إما محصورة على قطاعات محددة أو انتهت كما حصل قبل سنة و نصف مع إفلاس Wave Technologies الشركة الأخيرة التي تمتلك حقوق معالجات MIPS (التي بدأت من جامعة ستانفورد قبل إنتاجها تجارياً و استخدمت هذه المعالجات في عدد من الأجهزة الإكترونية إلى أن انحصرت و قل الإقبال عليها و انتهت). يروجون كثيراً لفكرة أن معالجات ARM المستخدمة في الهواتف و استخدمتها أبل في المعالج الموجود في رقاقة M1 من نوع RISC، لكن الواقع أن معالجات ARM اليوم تؤدي الكثير من العمليات التي تتطلب أكثر من خطوة واحدة حتى تكتمل. هذا غير أنها بها خصائص تختلف عن مواصفات RISC التي وضعها هؤلاء. تصنيف المعالجات CISC و RISC لا معنى له بالأساس خصوصاً أنه يضع المعالجات على طرفي نقيض.

الدجالون المنتشرون في الإنترنت ينشرون معلومات كثيرة و خاطئة، نظراً لأن لهم انحيازات ضد شركات مثل إنتل. المعلومات التي يذكرونها أبعد عن الواقع بكثير. التفاصيل كثيرة في الموضوعو لن أتطرق لها نظراً لأنها بحاجة لموضوع منفصل عن تطور المعالجات، و الموضوع القادم (إن سنحت الفرصة) سأكتب فيه عن سبب رقاقة M1 بحسب ما قرأته من مواصفات و أذكر الأسباب و نعود للجذور التاريخية لتلك الأسباب. لكن حتى أختصر، المعالجات الموجودة اليوم معالجات x86 و AMD و معالجات ARM تصنعها عدة شركات لأن ARM لا تصنع المعالجات بنفسها، و كل تلك المعالجات لا علاقة لها بمواصفات RISC التي وضعت في الثمانينات و لا المقارنات التافهة.