في العصر الرقمي الحديث، لم تعد الشهرة مرتبطة فقط بالإنجازات أو الإبداع، بل أصبحت تعتمد بدرجة كبيرة على القدرة في جذب الانتباه وخلق التفاعل. ومن أبرز الوسائل التي يلجأ إليها المشاهير على منصات التواصل الاجتماعي هي إثارة الجدل. هذا السلوك لم يعد مجرد رد فعل عفوي، بل تحول إلى أداة استراتيجية يستخدمها البعض لصناعة حضور قوي والتأثير في الرأي العام.

ولعل شخصيتين مثل غازي الذيابي وهند القحطاني تقدمان مثالين مختلفين على هذا الأسلوب؛ فكل منهما وظّف الجدل بطريقته الخاصة لخدمة أهدافه الإعلامية والاجتماعية.

الجدل من منظور نفسي

من الناحية النفسية، يمكن فهم ميل بعض المشاهير لإثارة الجدل بأنه نابع من حاجة نفسية عميقة للاهتمام والشعور بالتقدير. فبعض الشخصيات تعاني من سمات نرجسية تدفعها للسعي المستمر خلف الأضواء، والجدل هنا يمثل أسرع طريق لجذب الانتباه.

كما أن المحتوى الجدلي غالبًا ما يُثير مشاعر قوية لدى الجمهور، مثل الغضب أو الفضول أو الغيرة. هذه المشاعر تُحفّز التفاعل والمشاركة، مما يجعل الخوارزميات تُروّج هذا النوع من المحتوى أكثر من غيره. لذلك، قد يتعمد بعض المشاهير قول أشياء مثيرة أو نشر آراء مثيرة للانقسام من أجل كسب أكبر قدر ممكن من الانتباه، حتى لو كان سلبيًا.

الجدل من منظور اجتماعي

اجتماعيًا، ينعكس الجدل على صراع القيم داخل المجتمع. فبعض المشاهير يتعمدون طرح مواضيع حساسة كالدين، الحرية، اللباس، أو العلاقات، لأنهم يعلمون أن هذه القضايا تلامس الانقسام المجتمعي وتجذب أطيافًا متباينة من الناس.

في حالة هند القحطاني، على سبيل المثال، نجد أن محتواها غالبًا ما يُصدم شريحة واسعة من المجتمع المحافظ، بينما يُشجعه فريق آخر يرى فيه نوعًا من التحرر والتحدي للسلطة الاجتماعية. هذه الازدواجية تُبقيها في صدارة النقاش.

أما غازي الذيابي، فقد استخدم الجدل بشكل أكثر تحفظًا، من خلال التركيز على القيم العاطفية والتقاليد. ورغم أنه لا يطرح أفكارًا صدامية مثل هند، إلا أن حضوره الإعلامي وقراراته الشخصية أحيانًا تثير النقاش العام، خصوصًا بين محبيه ومنتقديه. وبذلك، نجح في استخدام الجدل بشكل غير مباشر ليبني جماهيريته.

هل الجدل دائمًا قوة؟

رغم فعاليته، إلا أن الجدل ليس دائمًا أداة إيجابية. فالاستخدام المتكرر والمستفز له قد يُفقد الشخص احترام الجمهور ويحوّله إلى مصدر إزعاج أو مادة للسخرية. كما أن بعض الجماهير تُصاب بالملل أو التبلد إذا شعرت أن الجدل يُستخدم فقط كوسيلة للتربّح أو التلاعب.

الخطورة الأكبر تكمن في أن بعض الشخصيات قد تفقد السيطرة على صورتها العامة، فتتحول من مؤثر إلى شخصية مثيرة للشفقة أو الجدل السلبي، مما يؤدي إلى "إلغائها" من قبل الجمهور فيما يُعرف بثقافة الإلغاء (Cancel Culture).

في النهاية

يمكن القول إن إثارة الجدل أصبحت أداة نفسية واجتماعية مدروسة يستخدمها بعض المشاهير لصناعة نفوذ وتأثير. وبين من يُتقن هذا الفن كغازي الذيابي، ومن يتعمّده بشكل صدامي كحالة هند القحطاني، يبقى السؤال الأهم: هل الجدل وسيلة ذكية لصناعة الشهرة، أم سلوك محفوف بالمخاطر؟

ما رأيك ؟