جميعنا يعرف الاهتمام الكبير بمجال الفن والمسرح والتلفزيون بصفة عامة، وهو اهتمام جيد في كل الأحوال ودليل على حفظ الثقافة وزيادة الإبداع في البلدان، وبالفن يرتقي الفكر ويتواصل الإبداع ويخلق بنتيجته استثماراً فكرياً وثقافيا وحتى إقتصادياً هامّاً.
هذا بطبيعة الحال أمر نتفق عليه جميعنا في عالمنا العربي، ولا ننكر أنه يمس كل مواطن عربي تأثراً
وتأثيراً في أسلوب الحياة والوعي الفكري.
فما علاقة الفن والإنتاج الفني بالبرمجة والتطوير في تكنولوجيا المعلومات؟ وما هو وجه المقارنة؟
كي نستطيع فهم أوجه الشبه والمقارنة أخذت كمثال مباشر مقارنة بسيطة بين الفنان (ممثل، مغني، موسيقار، ملحن) وكيف يرتبط بالمحيط الفني وبين المبرمج (مطوّر، محلل نظم) وكيف يرتبط بفريق البرمجة والعتاد التكنولوجي.
الفنان: لا يمكن للفنان أن يصل إلى هدفه دون مساعدة وتشريك عدة أشخاص في محيطه الفني كي ينتج العمل الفني الذي يهدف إليه، وليحقق بذلك المنتج الذي يسعى لتوزيعه ونشره بين الناس.
فالمغني مثلاً يستعين بالشاعر أو كاتب كلمات الأغنية ثم الملحن لتلحينها ثم الموسيقار الذي سيقوم بتوزيع الموسيقى وصولاً إلى شركة الإنتاج بكل مكونات فريقها (التصوير، الإضاءة، الصوت، المونتاج، التسويق...).
ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة للممثل من حاجته لمؤلف السيناريو والمخرج وباقي فريق الإنتاج الفني.
في مقابل ذلك أرى أوجه التشابه بينهما كذلك مع المبرمج وفريق البرمجة والتطوير.
المبرمج: يحتاج المبرمج كي ينتج تطبيقاته أو منتوجه التكنولوجي إلى مساندة مهمة جدا لعمله، فهو يحتاج لمحلل النظام، وخبير الشبكات، ومشرف فريق التطوير، والخبير المختص في مجال المنتوج بعينه (كالمحاسب، أو الطبيب، أو الصيدلي، أو مهندس الآلات الصناعية، أو التاجر، ...)، لنصل في النهاية إلى مسؤول التسويق أو الشركة التي تتبنى المنتوج لتسويقه وتوزيعه.
أهم ما يثير اهتمامي وسبب كتابتي لهذا المقال هو الجانب الإقتصادي في هاذين المجالين الحيويين في عصرنا هذا وخصوصا في عالمنا العربي، فمن منا لا يعرف أغلب أسماء الفنانين والمثقفين المبدعين ومساهمتم في تطوير اقتصاد البلدان العربية من خلال الإنتاج الفني بمختلف أنواعه.
ووجود الدعم المستمر من الدولة للمجال الفني والثقافي يعتبر اسثماراً طويل الأمد لتطوير عجلة الإقتصاد وخلق الأرباح.
كلنا نتفق بطبيعة الحال في ذلك ونحن من الداعمين له، لكن يراودني التساؤل عن دعم المبرمجين العرب وفرق التطوير والمبدعين في تكنولوجيا المعلومات وعدم اهتمام الإعلام بصفة خاصة والدولة بصفة عامة، ربما لاعتبارهم من ذوي الدخل الخاص ولا يمكن اعطائهم الثقة في تأثيرهم على الإقتصاد وتطويره والنهوض به.
أجزم بأنهم مخطئين في ذلك كثيراً، فمن ينكر إبداع "المبرمج" بيل جيتس وتغييره لنظرة العالم بأسره لمجال البرمجة وكيف وصلت شركة مايكروسوفت لما هي عليه الآن ومنذ عقود لتصبح عملاقة البرمجيات، غير متناسين لشركات مماثلة مثل أوراكل وجوجل وآبل وغيرهم الكثير في مجال البرمجة فقط هذا إن لم أذكر مجال التقنية الأخرى كالعتاد والشبكات والاتصالات والهواتف المحمولة والذكية...إلخ.
إذا عرفت الدول العربية والحكومات بصفة خاصة ووزارات الإتصالات والتكنولوجيا أهمية المبرمجين بصفة خاصة وكيف تدعمهم كما تدعم رواد الثقافة والفن منذ عقود طويلة، لاستطاعت الوصول بهم إلى مراتب الإبداع والتفوق وتطوير الإقتصاد بصفة مباشرة وخلال سنوات قليلة.
فكما للإنتاج الفني شركات خاصة تساهم في الوصول بالمبدعين لما هم عليه بتشجيع ودعم مباشر من الدولة والإعلام.
فالمبرمجين وفرق التطوير في البلدان العربية في أمس الحاجة للدعم المادي والإعلامي لإنشاء شركات رائدة تساهم بصفة قوية جدا في تطوير الإقتصاد العربي ودحر البطالة وتحسين مستوى العيش، وتغيير نظرة العالم اتجاه العقل العربي المبدع في كل المجالات التي يطرق باب الإبداع فيها.
في ختام مقالتي أردت توضيح فكرة أنه ليس هناك فرق بين دعم المجال الفني والثقافي في البلدان العربية، وبين دعم المجال التكنولوجي والمعلوماتي. فكلاهما يساهم في الرقي بالاقتصاد ويرتقي بالعقول العربية للإبداع دون حواجز تأسره وتضيق عليه، ليصل بنا لتحقيق موارد ذاتية بقدرات عربية قادرة على التغيير للأفضل.
توفيق الشايب
- 10-01-2017 *
مدينة توزر ، تونس