بسم الله الرحمن الرحيم
قد نرى أشخاصا في حياتنا لا طالما إنبهرنا بهم، وبنجاحهم، وعادة ما نفسر ذلك الأمر ونرجح سببه إلى قواهم العقلية، ومكانتهم الإجتماعية. لكن إذا ما تمعنا النظر سنجد أنه موجود عدد من الأشخاص يمتلكون أكثر منهم من الحظوظ التي تخولهم عمل أكثر ما قد يفعله غيرهم إلا أنه العجز في مسألة ما أحبطت ذلك الإنجاز وقد تكون أنت من بينهم. حقيقة الأمر مختلفة تماما ولا تتعلق لا بالقوة العقلية ولا بالمركز الإجتماعي ولا حتى بالحظ. المسألة برمتها تكمن في الذات، قوة الذات المحرك الحقيقي لعمل الإنسان كيفما كانت حالته.
قد يأتي أحد ويقول أنا ذاتي قوية ولكنني فشلت، ويؤوِّل الأسباب إلى المجتمع والظروف التي تحيط به. لا أعارض وأقول أن مثل هذه الأسباب لا تشكل عائقا. إنها عائق لكل شخص. فليس كل الناس وُلدوا في القصور. وليس كل الناس سيتركون في الأبواب. الكثير منا قرأ الحكايات والقصص وسمع عن بعضها. لم تكن لتكون ممتعة لو أنّ البطل يحصل على كل شيء ويقدر على أي شيء وتنتهي الحكاية بما إبتدأت. ما قد نتعلمه من تلك الحكايات فيه من العبرة ما يمكن أن يفيدنا في حياتنا، إن المضمار الذي يسير عليه كل واحد منّا به من العوائق ما لا يعد ولايحصى. وما أن تجتاز عائقا حتى تجد كم من العوائق الجديدة التي ظهرت بعضها كان متوقع وبعضها قد لا يكون متوقع. هنا الحرب الحقيقة هي ليست ضد العوائق وإنما ضدّ الذات نفسها. إن لم تكن ذاتك مهيئة لإجتياز هذه العوائق فأنت بالأكيد متشبت بحبال الفاشلين. وإن هيئتها وطوّرتها فأنت قد إمتلكت أجنحة الناجحين. والذي يؤول الأسباب إلى تأوييله لنقل له نعم هذا صحيح. وهل ستضل على هذه الحال؟ ألا يوجد ما يهزم هذه العوائق ؟
نحن وهم سيكون لدينا نفس السؤال : كيف أهيئ ذاتي لإجتياز عوائق الحياة؟
لو كانت الحلول بسيطة لما وجدنا الحياة معقدة بهذا الشكل. من الصعب جعل الذات مقوّمة ومهيئة بالكامل. ولكن سُنّة الإنسان في الحياة السعي وراء الكمال، ما يكمل ذواتنا ويقويها، تلعب به العديد من الجوانب. لكن الجانب الأكثر أهمية هو الفكر. وكلما ترسخت أفكارنا وإنضبطت كلما تهيئت ذواتنا للتعامل مع المحيط الذي تعيش فيه. كيف نوعّي ذواتنا؟ هو السؤال الحقيقي الذي يجب أن نطرحه.
الفضول فطرة في الإنسان. ومعرفة الإنسان للأمور هو شيء يقوم به في كل وقت. لكن هل تلك المعرفة كافية لتطور فكرنا؟ بالأكيد لا. ما نحتاج له ليس شيء نقوم به كل يوم. الإنسان على مر التاريخ مرر جيلا لجيل تقنيات ومعارف كثيرة ساعدت الإنسان في كل جيل على الإرتقاء بوعيه، كما ساعدته في التغلب على الكثير من العوائق التي لا ندري معظمها اليوم. لذلك المعرفة هي ليست حكرا على ذوي العقول النابغة يمكن لأي منّا تحصيلها والإستفادة منها لتطويرها أو على الأقل للتغلب على العوائق التي تصادفنا. إن تحصيل المعرفة ليست بالمنظور الذي يمكن لأي واحد منّا إكتسابها بالشكل الذي يرغب فيه. فحتى المعرفة بحذ ذاتها هي عائق أمامنا. البحث عن المعرفة كان ليكون من الأمور الصعبة. ولكن اليوم الإنسان تخطى جزئيا هذه العقبة. ولكن فروع المعرفة تشعبت وتفرعت بشكل كبير للغاية لدرجة أنّه أصبح من الصعب حتى رصدها. وللأسف إمكانيات البشر العقلية غير قادرة على إستعابها كلها. ومع إختلاف المعارف سيصبح الإنسان تائها في أي إتجاه يجب أن يسلكه أثناء تحصيله المعرفي. ولا يمكن له أن يجرب طول حياته الإنتقال من دائرة معارف إلى أخرى حتى يصل إلى ضالته. لذلك وجب عليه منذ البداية تحديد إتجاهه وخوض المغامرة فيه للوصول إلى ما يسد عوائقه ويبرز نجاحه. إن التحصيل المعرفي ذو المنحى الواحد فعّال وله نتائج إيجابية. ولكنه في نفس الوقت خطر وذو عواقب تجعل من خسارة الذاكرة والوقت والجهد ما قد يندم عليه الفرد في وقت لاحق. لذلك بناء ذاتك هو أول معرفة عليك البدء بها. حالما تعرف كيف تبني ذاتك ستصبح لديك آفاق واسعة للعمل عليها في تحصيل بقية المعارف. الذات المبنية بمعارف ومبادىء تكون واعية بما عليها القيام به من خطوات في مستقبلها وبالتالي تحديد المسارات المعرفية التي سيتوجب عليها سلوكها لتبرز نجاحها.
في كل يوم عدد هائل من المعلومات والأخبار التي يسمعها كل فرد منّا بعضها قد يكون مشترك بين شريحة كبيرة وبعضها قد يكون فقط القلة التي على علم بها. بعضها يتلاشى حتى يصبح من طيات النسيان في أذهاننا وبعضها نبقي فقط على الحدث الأساسي منها بنسيان التفاصيل فقط. والبعض يضل مترسخا بذهننا. كل تلك المعلومات هي معرفة نكتسبها قد تفيدنا وقد لا تفعل. قد نستغلها وقد نهملها. من يفعل كل هذا ؟ إنها الذات نفسها من تحكم على جملة المعلومات ما إن كانت مفيدة لي وقابلة للإستغلال أم لا. لذلك السعي وراء تقوية الذات بتحصيل المعارف هو أمر ضروري لنجاح الإنسان في حياته على مختلف المستويات.
رسالتي لك بالمختصر لا تمل من تحصيل المعارف ودوما إبحث وطوّر من معارفك، شارك وأنتج، إستمع، حلل ثم ناقش. أبرز كفاءتك في الشيء الذي تجيده وإعرف عنه أكثر. لا تقل أنك لن تستطيع، لأننا كلنا نستطيع... إجتهد وتذكر أنّ الجهد لا يضيع.
وأبقي لك أخي القاريء العزيز حق التفكر في الحكمة الربّانية إذا صدق قوله تعالى في الآية التاسعة من سورة الزمر :
{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ}