ما يقبع في ذاكرتنا هو حياتنا التي لا نمتلك سواها، فماذا لو كانت تلك الذكريات مهلهلة وغير مترابطة؟ شاهدتُ سابقاً الفيلم الأمريكي the father، الذي تناول حالة هؤلاء المصابين بمرض الزهايمر، ولكن ماذا لو فقدنا القدرة على تكوين ذاكرة من الأصل في مرحلة ما من مراحل عمرنا؟

تلك الحالة التي كشف عنها العلماء عندما أصيب شابا في حادث أثر على رأسه, واضطر العلماء أن يستأصلوا الجزء المسئول عن تكوين الذاكرة القريبة, فهو ينسى الشيء بعد أن يفعله بلحظات وقد تناول هذه الحالة فيلم Memento.

لنعود إلى فيلم The father الذي تناول الذاكرة و كيف أنها تلعب دورًا أساسيًا في حياتنا، يبدو صناع الفيلم قرروا أن يرى الجمهور العالم من خلال وجهة نظر الأب المصاب بمرض الزهايمر، وكيف يمكننا كمشاهدين أن نرى العالم من خلال ذاكرة مهلهلة لا تقوى على حمل الكثير من الذكريات سوى بعضاً من الأحداث المبعثرة, قام الأب بترتيبها من وجهة نظره, وأختلق أشخاص وأماكن وأحداث لا علاقة لها بالواقع لكي يبني حكايات لها علاقة بابنته التي تخلت عنه وسافرت بالفعل بعيدا وتركته في دار مسنين.

أما الحالة الثانية نجدها في فيلم Memento، الفيلم تناول نوعا مختلفا من الذاكرة حيث الإنسان يعيش حاضره فقط دون ماض، فالبطل في الفيلم قُتلت زوجته وتم اغتصابها ثم أصيب بخبطة قوية على رأسه جعلته يصاب بفقدان للذاكرة.

 بعد مضي الحدث بلحظات، فنجده مثلا لا يتذكر من المتصل وماذا كان يريد وذلك عند اجرائه محادثة عبر الهاتف، لذا يبدأ في كتابة ما يود أن يتذكره على جسده في صورة وشوم، ففقدان الذاكرة التفارقي الذي يحدث لبعض الوقت بعد وقوع حادث مؤلم، يجعل هناك صعوبة في تشكيل العلاقات والحفاظ عليه.

يستوقفني هنا العالم ابن سينا عندما لاحظ أن فعل التذكر هو الذي يمنح الفرد شعورا بهويته وأناه وبثباتها، فهذه الذاكرة تجعل الأحداث مثل المياه التي تنساب من بين الأصابع، أن ترى المياه وهي تقع على يديك لكنها في الحقيقة لا تستقر أمام ناظريك على هاتين اليدين، لذا يفقد الإنسان جزءا مهما من حياته وهويته عندما ينسى هذا الجزء، أو الأحداث، وإن كانت الذاكرة الذاتية هي مكون أساسي لكل إنسان، فإن الذاكرة الجماعية هي التاريخ الذي نقرأه، والأمم تشبه في ذلك الإنسان الذي ما إن أصيب في ذاكرته فقد جزءا من ذاته.

هل شاهدت من قبل فيلم The father أو حتى فيلم Memento؟ و ما رأيك في مسألة أن الهوية تشكل هويتنا؟