إذا كنا نحن المسلمون محرومين من زيارة المسجد الأقصى المبارك و الصلاة فيه فلا أقل من أن نصله بأن نعرف فضله و تاريخه و أجزاءه التي يتكون منها. و في السطور التالية محاولة للتعريف بهذا المسجد العظيم.
التعريف بالمسجد الأقصى المبارك و فضائله:
هو المسجد الواقع بمدينة القدس في فلسطين، والذي إليه أسري بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام حسب ما ورد في القرآن الكريم بسورة الإسراء
(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )﴿١﴾ الإسراء
و تنتشر على المواقع الالكترونية و بعض وسائل الإعلام صورة للمسجد ذي القبة الذهبية و أخرى لمسجد ذي قبة رصاصية اللون و كلتاهما ليست للمسجد الأقصى و إنما لجزء منه فالأول هو مسجد قبة الصخرة و الثاني هو الجامع القبلي الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه و سلم حين أسري به.
إذن فما هو المسجد الأقصى؟
المسجد الاقصى هو اسم لكل ما دار حوله السور الواقع في أقصى الزاوية الجنوبية الشرقية من مدينة القدس القديمة المسورة بدورها، ويشمل كلا من قبة الصخرة المشرفة (ذات القبة الذهبية) والموجودة في موقع القلب منه، والجامع القِبْلِي (ذو القبة الرصاصية السوداء) والواقع أقصى جنوبه ناحية "القِبلة"، فضلا عن نحو 200 معلم آخر تقع ضمن حدود الأقصى، ما بين مساجد، ومبان، وقباب، وأسبلة مياه، ومصاطب، وأروقة، ومدارس، وأشجار، ومحاريب، ومنابر، ومآذن، وأبواب،وآبار، ومكتبات، فضلا عن الساحات.
الاعتقاد الخاطئ بأن المسجد هو الجامع الذى يصلى فيه الناس فقط هو نتيجة المساجد التى نبنيها فى وقتنا هذا. ولكن قديما وهذا هو الأصل كان المسجد يشمل أماكن للعبادة و التعلم و البحث فى أمور الدين و الدنيا وعدد من المآذن و القباب و الابواب.
(و الصورة مرسومة من مؤسسة القدس الدولية و توضح ما هى حدود المسجد الاقصى وهو كل ما بداخل المستطيل الأزرق و المنطقة المحيطة به.)
- مكونات المسجد (العناصر المعمارية):
تبلغ مساحة المسجد الأقصى حوالي 144 دونماً (الدونم = 1000 متر مربع)،ويحتل نحو سدس مساحة القدس المسورة، وهو على شكل مضلع غير منتظم، و يتكون مما يلي:
1- تحت الرواق الأوسط لمبنى المسجد الأقصى يقع مبنى المسجد الاقصى القديم، والذي قامت الحركة الإسلامية بترميمه وافتتاحه للمصلين بعد عشرات السنوات من الإغلاق
2- الزاوية الجنوبية الشرقية للمسجد الأقصى المبارك: وهي أعلى منطقة في سور المسجد، وهي تعتبر الحد الجنوبي الشرقي للمسجد الأقصى المبارك
3- المصلى المرواني: الذي قامت الحركة الإسلامية برئاسة الشيخ رائد صلاح بتبليطه، بعد أن كانت قد نظفت المصلى المرواني ورممته، وافتتح في صيف 1998 للصلاة، وهو أعظم مشروع عمراني في المسجد الأقصى منذ مئات السنين. وقد حاول اليهود الاستيلاء على المصلى المرواني وبناء هيكلهم به ليكون لهم المدخل لهيكلهم المزعوم، إلا أن تنظيفه وترميمه وافتتاحه للصلاة حالا دون الاستيلاء عليه، وكانت زيارة شارون الاستفزازية للمسجد الأقصى المبارك مخصصة لزيارة المصلى المرواني والدرج العظيم الذي بني كمدخل أساسي له.
4- درج المصلى المرواني: في هذا المكان قامت الحركة الإسلامية بالحفر والكشف عن سبعة أروقة للمصلى المرواني، وقد أخرجت آلاف الأطنان من التراب وبني درج عظيم عريض يليق بهذا المصلى الكبير.
5- قبة الصخرة المشرفة: والذي يظنه الكثير من المسلمين المسجد الأقصى، وهذا خطأ، إذ إن المسجد الأقصى هو كل شيء داخل الأسوار، ومبنى قبة الصخرة ما هو إلا مسجد من كثير من المساجد والمصليات والمعالم الكثيرة... إلخ التي تكون المسجد الأقصى المبارك، وقد بني هذا البناء الذي يعتبر أجمل المساجد والعمارة قاطبة في زمن الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الذي خصص خراج مصر لسبع سنوات لهذا الغرض، وهذا البناء يحيط بالصخرة المشرفة التي عرج بالرسول الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منها إلى السموات العلى.
6- قصور أموية: هذه الآثار لقصور أموية بدأت الحفريات من تحتها باتجاه المسجد الأقصى المبارك وتحت ساحاته وأبنيته، وفي سنة 1999م قامت حكومة باراك ببناء درج حتى السور الذي هو حائط المصلى المرواني والحد الجنوبي للمسجد الأقصى المبارك، وقد افتتحه باراك نفسه، وادعى كذباً أن هذا كان مدخل الهيكل المزعوم.
7- الزاوية الخنثنية: وهي أقصى الجنوب من المسجد الأقصى المبارك كانت مدخلاً للأمراء والخلفاء من قصورهم للمسجد الأقصى المبارك
8- الزاوية الجنوبية الغربية: هذه الزاوية تعتبر الحد الجنوبي الغربي للمسجد الأقصى المبارك.
9- كلية الدعوة وأصول الدين: مبنى من مباني المسجد الأقصى في الجهة الجنوبية، وقد استعمل في السابق كمدرسة، وقد كان حتى سنة 1993 مقر كلية الدعوة وأصول الدين، وهو الآن يستعمل لمكتبة المسجد الأقصى المبارك، وقد أغلق بزمن الانتفاضة الأولى على أيدي السلطات الصهيونية.
10- المتحف الإسلامي: وهو بناء قديم جداً وبه مقر المتحف الإسلامي والذي يحوي آثاراً كثيرة من العهود المختلفة للحكم الإسلامي لبيت المقدس، وبداخل المتحف ما تبقى من آثار منبر نور الدين زنكي والذي احترق في سنة 1969م على يدي المجرم الصهيوني مايكل روهان (انظر حريق المسجد الأقصى المبارك)
11- بوابة المغاربة: وتقع في الجهة الغربية للمسجد الأقصى المبارك، بمحاذاة حائط البراق والذي يسميه يهود زوراً وبهتاناً بحائط المبكى. وكانت هذه البوابة المدخل لحارة المغاربة والتي محيت عند احتلال القدس وطرد أهلها وقتلوا على أيدي يهود، والتي يقوم على آثارها الآن حارة اليهود. وقد قام اليهود بإغلاق باب المغاربة بعد مجزرة الأقصى الأولى في 8-10-1990م بادعاء أن دخول المسلمين منه يشكل خطراً على حياة المصلين اليهود بحائط المبكى المزعوم، وجدير بالذكر أن الاقتحامات البوليسية للأقصى المبارك تأتي منه دائماً.
12- حائط البراق: والذي ربط به المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم دابة البراق عند دخوله المسجد الأقصى المبارك، وهو ما يسميه اليهود كذباً وزوراً بحائط المبكى بادعاء أنه آخر ما تبقى من هيكلهم المزعوم، وفي الساحة ترى طاولاتهم.
13- باب السلسة: وهو واحد من أكبر مداخل المسجد الأقصى المبارك من جهة السوق، وتحته يمر نفق ما أسموه (الحشمونائيم) والذي يبدأ من الجهة الجنوبية لحائط البراق وحتى الحد الشمالي الغربي من الأقصى المبارك.
14-المدرسة العمرية: وتقع في الجهة الشمالية للمسجد الأقصى المبارك وتعتبر جزءاً لا يتجزأ منه، ويحاول اليهود أن يستولوا عليها ليبنوا كنيساً لهم بها.
15- الحد الشمالي الغربي: ويقع في حارة المسلمين.
16- الحد الشمالي الشرقي: ويقع بجانب باب الأسباط.
17- باب الأسباط: ويقع في الجهة الشمالية للمسجد الأقصى المبارك، ويعتبر الآن المدخل الأساسي للمصلين وخاصة من خارج القدس بعد إغلاق باب المغاربة، لأن الحافلات والسيارات لا تدخل إلا من جهته.
18- بوابة الرحمة: وهي إحدى بوابات الأقصى المبارك والتي قام القائد البطل صلاح الدين الأيوبي بإغلاقها لأنها كانت تشكل خطراً لاقتحام الصليبيين الأقصى منها، وخارجها تقع مقبرة الرحمة.
19- مقبرة الرحمة: وبها قبرا الصحابيين شداد بن أوس، وعبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنهما، وهذه المقبرة تستعمل حتى الآن، وبها قبور شهداء مجزرة الأقصى.
20- مقابر إسلامية
21- الحيان الإسلامي الغربي والشمالي: وقد استولى اليهود على بعض الأبنية فيهما بالقوة وحولوها إلى كنس
البناء والتاريخ
- ثاني مسجد وضع في الأرض:
عن أبي ذر الغفاري ، رضي الله تعالى عنه، قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال:" المسجد الحرام" ، قال: قلت ثم أي؟ قال:" المسجد الأقصى"، قلت: كم كان بينهما؟ قال:"أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فصله، فان الفضل فيه." (رواه البخاري)
والأرجح أن أول من بناه هو آدم عليه السلام، اختط حدوده بعد أربعين سنة من إرسائه قواعد البيت الحرام، بأمر من الله تعالى، دون أن يكون قبلهماكنيس ولا كنيسة ولا هيكل ولا معبد.
وكما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام، تتابعت على الأقصى المبارك،
فقد عمره سيدنا إبراهيم حوالي العام 2000 قبل الميلاد، ثم تولى المهمة أبناؤه إسحاق ويعقوب عليهم السلام من بعده، كما جدد سيدنا سليمان عليه السلام بناءه، حوالي العام 1000 قبل الميلاد.
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ وَمُلْكًا لَايَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَأَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ" فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ: "أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ".(رواه ابن ماجه والنسائي وأحمد)
ومع الفتح الإسلامي للقدس عام 636م (الموافق 15 للهجرة)، بنى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الجامع القبلي، كنواة للمسجد الأقصى. وفي عهدالدولة الأموية، بنيت قبة الصخرة، كما أعيد بناء الجامع القبلي، واستغرق هذا كله قرابة 30 عاما من 66 هجرية/ 685 ميلادية - 96 هجرية/715ميلادية، ليكتمل بعدها المسجد الأقصى بشكله الحالي
- الفضائل:
المسجد الأقصى هو قبلة معظم الأنبياء قبل خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، والقبلة الأولى للنبي الخاتم، حتى الشهر السادس أو السابع عشر للهجرة,
عن ابن عباس قال: "كان رسول الله يصلي و هو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهرا ثم صرف إلى الكعبة". (أحمد)
الأقصى هو مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ورد في الآية الكريمةباسمه الصريح: "سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَاحَوْلَهُ". (الإسراء) وفيه صلى جميع الأنبياء جماعة خلف إمامهم محمد صلى الله عليه وسلم خلال رحلته هذه، مما يدل على كثرة بركاته حتى إنها لتفيض على ما حوله، ولا تقتصر عليه فقط، حسبما تشير الآية: "باركنا حوله" وليس فيه!
الأقصى هو مبدأ معراج محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء،
عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيت بالبراق فركبته حتى أتيت بيت المقدس فربـطـته بالحلقة التي يربط فيها الأنبياء ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين، ثم عـرج بي إلى السماء"(مسلم).
فقد كان الله تعالى قادراعلى أن يبدأ رحلة المعراج برسوله من المسجد الحرام بمكة، ولكنه سبحانه اختار الأقصى لذلك ليثبت مكانته في قلوب المسلمين، كبوابة الأرض إلى السماء، أرض المنشر و المحشر.
قالت مَيْمُونَةَ مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: "أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ " (أبو داود وابن ماجه وأحمد)
- هو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ ـصَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ وَمَسْجِدِ الأَقْصَى." (البخاري)
إلاأنه ليس بحرم، لأنه لا يحرم فيه الصيد، وتلتقط لقطته، بخلاف حرمي مكة و المدينة. وتسميته بالحرم الشـريف ليست صحيحة، وإنما الاسـم الصحيح هو "المسجد الأقصى المبارك"، وهو الاسم الذي ظل يطلق عليه طوال العهد الإسلامي حتى عصر المماليك، حين سمى حرما تشريفا، رغم أنها تسمية غير صحيحة، و لا جائزة.
ومن دخل الأقصى فأدى الصلاة، سواء تحت شجرة من أشجاره، أو قبة من قبابه، أو فوق مصطبة، أو عند رواق، أو في داخل قبة الصخرة، أو الجامع القبلي، فصلاته مضاعفة الأجر.
عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال : تذاكرنا - ونحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم - أيهما أفضل : أمسجد رسول الله أَم بيت المقدس؟فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"صلاة في مسجدي أفضل من أربع صلوات فيه،و لنعم المصلى هو، وليوشكن أن يكون للرجل مثل شطن فرسه من الأرض حيث يرى منه بيت المقدس خير له من الدنيا جميعا .قـــــال : أو قال خير له من الدنيا وما فيها ". (أخرجه الحاكم وصححه و وافقه الذهبي)
(المادة العلمية الواردة بالمقال نقلاً عن موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين و بعض المواقع الأخرى المعنية بموضوع المقال)
أسأل الله تعالى أن يبعث فينا من يتحرر الأقصى بقيادته و على أيدي عباد الله المؤمنين و أن يرزقنا الصلاة فيه قبل الممات
و الحمد لله رب العالمين