سمعتُ هذا لأوّل مرّة من شقيقة جدَّتي عندما حذّرت الناس من اللقاحات، وقد ظننته حديث عجائز حتّى رأيت بعض ممّن ينتمي للمجتمع الطبِّي يروّج لهذه الفكرة.

ما يقوله هؤلاء، أنّك بأخذ اللقاح، فإنَّ مؤقتًا بايلوجيًا ما في داخل جسمك، سيبدأ بالعدّ التنازلي، والذي سينتهي بموتك وموت كل من أخذ اللقاح، ولقد اختاروا العد التنازلي بعناية، إنّها مدة سنتين وأحيانًا ثلاثة، فترة لا تستطيع إلّا أن تنتظرها!

لكن هل هذا مُمكن من الناحية الطبيّة؟ سأجيبك بتبسيط آمل أن لا يُخلّ بعلمية الموضوع، ولن تكون إضافة الصور التوضيحية عملية، فأرجو همّتك وخيالك!

إذا أردت أن تقول لي أنّ اللقاحات قد تقتل مباشرة، أجيبك بممكن، قد يتحسّس منه بعض الناس، وقد تقول أنّها قد تقتل بعد أسبوع، فأجيبك بمُمكن أيضًا، سُجّلت بعض حالات الجلطات الدماغية بسبب الزيادة في خثرة الدم بعد اللقاح، هذه الأعراض الجانبية نادرة جدًا، لكنها مُمكنة من الناحية العلمية.

فهل هناك طريقة لتفعيل مؤقت ما في داخلنا لنموت بعد سنتين؟

ماهي اللقاحات بداية؟ هي قطع من شفرات وراثية، تدخل إلى داخل خلايانا، فتقوم الأخيرة بتصنيع البروتينات منها، وتضعها على سطح الخلية، تكتشفها الخلايا المناعية فتتحصّن ضدّها، وتحفظ مزاياها تحسبًا لهجوم قادم.

الجملة مُركزة وصعبة؟ أعرف. تخيّل أنّ شرطيًا يحمل فلاشة عليها بعض الصور للمجرمين، يدخل إلى المكتبة ويطلب طباعة هذه الصور، فيستخدم صاحب المكتبة طابعته لطبع الصور، ثمّ يُعلّقها على باب المكتبة ويضع تحتها "مطلوب للعدالة" فيتحسّب الناس منه. هذا باختصار ما يحدث في اللقاح.

ماهي الحجج التي يستخدمها دُعاة نظرية "تموتون في عامين" بالاعتماد على هذه المعلومة؟

الفرضية الأولى

يقولون لك حسنًا، عندما يأتي الفايروس مرّة أخرى، وهو يحمل "شكل المجرمين" فيهاجمه الجهاز المناعي، ألن يقوم بمهاجمة خلايانا التي تعلّق صور المجرم على باب مكتبتها؟ ألن يظنّها من المجرمين؟

هناك عيب واضح في هذه الحجّة، فهم يهملون ما حدث بعد تعليق المكتبي للصور على بابه، لماذا لم يتفاعل ضدّها الجهاز المناعي مباشرة؟ أين كان نائمًا كل هذه الفترة؟

يُجيبك دُعاة هذه الحجّة أنّ الجسم لا يهاجم نفسه بداية، فهو يعرف أنّ المكتبي علّق صورة المجرم (البروتينات الناتجة من اللقاح على سطحه) وليس هو المجرم نفسه (البروتينات التي يملكها الفايروس نفسه) لكنّ تصوره يختل عندما يأتي المجرم الجديد فيحارب كل شيء يشبهه.

إذن لماذا غضبت الخلايا المناعية وهاجمت خلايا الجسم بعد دخول الفايروس؟ إن كانت تعرف أنّ المكتبي علّق صورة المجرم وليس المجرم نفسه؟ لن يكون هذا جوابًا سهلًا لدعاة هذه الفرضية

وإن فرضنا أنّ "الاختلال" سيحصل في الجسم بعد دخول الفايروس، فالفايروس لا يكون نسخة من اللقاح، هو يملك بروتينات مختلفة قليلًا، لكنّ اللقاح يساعد الجسم على أن لا يبدًا من الصفر في عملية انتاج الاجسام المضادة

ومادام هذا الفارق موجودًا، فليس من المعقول أن يهاجم الجسم نفسه، ولو أردتُ أن أشرحها لك بجملة بسيطة، الجسم سيعرف أنّ الخلية هي خليتنا، لأنّها تعلّق صورة المجرم بشارب، والمجرم الحقيقي الآن قد حلق شاربه تخفيًا. نستفاد من صورة المجرم في ملامحه وهيئته، لكنّها لن تكون دائمًا طبق الأصل من المجرم.

الفرضية الثانية

لعلها أقرب الفرضيات إلى قلوبهم، إنّهم يقولون أنّك عندما تأخذ اللقاح، فهو سيدخل إلى الخلية ويختلط بنواة الخلية ومادتها الوراثية، وهذا سيكوّن خلايا سرطانية تقتلنا بعد أعوام قليلة.

أحببت مثال المكتبي، سأكمل عليه لمرّة اخيرة، بهذه الفرضية يقولون أنّ المكتبي عندما استلم فلاشة الصور، غرّه منظر المجرمين، وطمع في أموالهم، فقرّر أن يكون منهم، وأصبحت مكتبته مصنعًا للعتاد والسلاح!

يستمر مسلسل اهمال الحقائق العلمية، هناك ما يُدعى بالـ proof readers التي تُصلّح أخطاء الشفرات الوراثية باستمرار، كل الكائنات تملك هذه المتحقّقات، حتّى الفايروس نفسه، فما بالك ببشر هم أرقى ما يكون في سلّم التطور.

هذه المتحقّقات ستقوم بقتل أي خلية تسلك سلوكًا شاذًا، إنما هي تقتل آلاف الخلايا يوميًا لهذا السبب، وأنت لا تشعر بذلك.

وإن تعطّلت هذه المتحقّقات عن العمل، الجسم لن يقف مكتوف الأيدي أمام خلية تحوّلت جينيًا، سيقوم بمحاربتها بشكل مباشر، لن يسمح لها بأن تتكاثر.

قد تقول إذن لماذا لا يقضي على الخلايا المتحوّلة جينيا في غيره من الأمراض السرطانية؟ فأقول لك أنّ الأمر مختلف، في بقية الأمراض تلعب الجينات دورًا مهمًا في التحوّل السرطاني لنسيج معين، إذ أنّ منشأ السرطان هنا "من الداخل" وليس بفعل عامل خارجي وحده، ولو أثّر العامل الخارجي لتطلّب أن يكون عاملًا مستمرًا لفترات طويلة، كالتدخين لسنوات طويلة مثلا.

باختصار، لا لن تموت بسبب اللقاح بعد سنتين، سأكون قلقًا من أسباب أخرى أخطر لو كنت مكانك!