المقال طويل نوعا وهو موجه بالدرجة الأولى لأصحاب البكالوريا
مع تقدم الإنسان في حياته ينتبه إلى أن الحياة تجارب مستمرة، تحديات متتابعة وإمتحانات لا تتوقف. هناك نوعان من الناس وكلاهما يبتغي السعادة، الأول يحسب أن تلك اللحظة المؤقتة التي يصل فيها إلى هدفه هي ما ستحقق له السعادة والثاني يجعل من مساره كله محفزا ومنشطا لسعادته، الأول عكس الثاني، سعادته يقتلها الملل أو تحديات وعقبات أخرى بعد مدة قصيرة.
إنتهى إمتحان البكالوريا ومن حقكم أن تفرحو، البكالوريا مثل مباراة كرة قدم في كأس العالم، أو مثل هدف في نهائي كأس العالم، هو مهم جدا، افرح به وعش سعادة ونشوة اللحظة، لكنه ليس النهاية. التحديات لن تتوقف بل وستزداد صعوبة من هذا اليوم.
الآن أنتم بصدد اختيار التخصص الذي قد يحدد مسار حياتكم بأكملها، اليوم ستستقلون عن أوليائكم ستصيرون أحرارا لكن مع هذه الحرية ستأتي مسؤولية أكبر.
بعيدا عن هذه المقدمات، المنشور أحاول تقديم مجموعة من النصائح (التي بنيتها حسب تجربتي الشخصية، وتجارب الأقربين مني) قد يتّفق معها البعض وقد يختلفون.
لماذا أظن أنني أهل لإعطاء هذه النصائح؟
أولا لأنني مررت بتجربة الحصول على البكالوريا، مرّتين.
لأنني أخطأت كثيرا، أخطاء كلّفتني سنوات مازلت أحاول ضمّها واسترجاعها إلى الآن.
لأنني سجلّت في أربع تخصصات ودرست تخصصين.
لأنني تعلمتُ بالطريقة الصعبة.
ماذا تعلمت؟
الشغف لوحده مجرد هراء: من الجيد جدا أن يكون لديك شغف فيما تقوم به، لكن صدقني اذا كل ما لديك هو شغف فلن تذهب بعيدا.
الحافز مجرد هراء: الناجحون لا ينتظرون "أن يكون في مزاج" القيام بشيء ليقوموا به، الناجحون لا ينتظرون الحافز، الناجحون يخططون ويقومون بغض النظر عن مزاجهم.
النجاح: نسبة أن يكون لديك شغف في ما ستنجح فيه أكبر من نسبة أن تنجح في ما لديك فيه شغف وفقط.
كيف تختار التخصص المناسب؟
أولا كن صريحا مع نفسك، بحكم تجربتك التي لا تعرف الجامعة، أنت غالبا لا تعي جيدََا ولا تعرف ما تحب وماذا تريد، كيف تحب تخصصا قبل أن تدرسه حتى؟ كيف تحب شيئا تجربتك معه صفر؟
هذا يعني أنه يجب أن تختار التخصص الذي يمكنك النجاح فيه. ضع الحب جانبا، أهم نقطة هي أن تختار التخصص الذي يمكنك النجاح فيه والنجاح بتفوق.
كيف تعرف التخصص الذي ستنجح فيه؟
اعرف نقاط قوتك ونقاط ضعفك، هل أنت من اللذين يستوعبون دون حفظ؟ أم الذين يمكنهم حفظ كتب بكل سهولة؟ هل أنت قوي في الرياضيات أم أنك تعتمد على تكرار حل التمارين فيها لكي تستطيع حل الامتحانات؟ هل أنت قوي في اللغات أم لا؟ ما هي المواد التي كنت متفوقا فيها في الثانوية..
هل أنت إنسان منضبط؟ هل عندك نفس طويل؟ هل يمكنك الدراسة لساعات طويلة متواصلة، لأشهر؟ هل تستطيع العيش بهذا الريتم: تخرج على الخامسة مساءا، تصل لغرفتك في الجامعة ترتاح نصف ساعة ثم تبدأ الدراسة ثم تتعشى ثم تعود للغرفة لتدرس حتى الواحدة صباحا ثم تنام ثم تستيقظ صباحا على السابعة تذهب للجامعة ثم تعود على الخامسة وتكرر نفس الروتين؟ (هذا ما يتطلب الطب بالمناسبة)
هل أنت جيد في تلخيص الدروس؟ هل يمكنك قضاء ساعات وأنت تقاتل التمارين؟
ثم ماذا؟
اسأل عن التخصصات
تفادى ذلك السؤال الأحمق "مالذي يمكنني القيام به بهذا التخصص ؟ "
هناك ببساطة نوعان من التخصصات، تخصصات عملية وتخصصات بحث .
التخصصات العملية عملها واضح، غالبا سيعمل كل من يتخرج منها: طب صيدلة مدرسة عليا للأساتذة، جيش ..
تخصصات البحث: تقريبا كل التخصصات الأخرى التي لا تملك إجابة واضحة حين تسأل مالذي يمكنني العمل به عند دراستي لهذا التخصص . هذه التخصصات غالبية الطلبة في الجزائر سيكونون فيها، لهذا مجرد الدبلوم فيها لا يكفي ولكن المطلوب التفوق فيها لتفتح أمامك الفرص.
إسأل جيدا الذين يدرسون في التخصص:
ماذا يتطلب لكي أتفوق في تخصصك؟
ماذا يفعل المتفوقون في تخصصك؟ كيف يراجعون؟ كيف يدرسون؟
قارن بين الإجابة وبين ما قررته على نفسك من قدرات، إذا كانت متطلبات التخصص موجودة عندك هذا هو التخصص المناسب لك. إذا لا فالإعتماد على شغفك لوحده لن يضمن لك شيئا (إلا إن قاتلت لتتغير وتبني قدرات تناسب التخصص).
تخصصي الأول إخترته عن قناعة، أحبه ومازلت أحبه، أستوعبه نظريا بنسبة كبيرة. لكن النجاح فيه لا يتطلب إستيعابه نظريا فقط ولكن "خبيش" دون توقف وإنضباط شديد، في تلك الفترة لم أملك لا الأول ولا الثاني ففشلت فيه. التخصص الثاني اخترته مرغما لأنني فشلت في الأول، معياري الوحيد في اختيار الثاني هو أنني "قوي في الإنجليزية" لذا سيكون سهلا. وكان سهلا وتفوقت فيه وبعد أن تفوقت فيه صرت أحبه وصار عندي شغف فيه .. والآن أكمل دراستي فيه في فرنسا.
الآن الإختيار لك، حب تخصص والفشل فيه، أو النجاح في تخصص ثم حبه بعد ذلك.
في سوق العمل هناك دوما تخصصات العمل فيها أكثر من الأخرى هذا طبيعي، لكن التخرج سيكون بعد خمس سنوات، وسوق العمل تتغير مع الوقت (أظن أنه بعدما كانت سوق الطب جيدة الآن هي سيئة أليس كذلك؟) سوق العمل معيار لكنه ليس المعيار الوحيد ولازم تأخذ أمور أخرى بالحسبان.
التخصصات التي بها معدل قبول مرتفع ليست "حتما" جيدة لك، تلك تخصصات ارتفع معدلها لسبب ما في الماضي (بدفع من المجتمع) والآن صار معدل القبول هو السبب في جذب الطلبة إليها (على الرغم من أن السبب الرئيسي قد اختفى)
أعلم كثيرا ممن ندم على إختيار هذه التخصصات.
- هناك جامعات أفضل من أخرى أكيد، في الجزائر توجد جامعات أكبر من أخرى، المدارس العليا هي الأفضل غالبا. لكن هذا لا يعني أن دخولك لجامعة صغيرة يعني فشلك حتمََا فالمنافسة على المراتب الأولى في الجامعات الكبرى أعقد وأصعب. يكفي أن أقول أنني فشلت في جامعة باب الزوار ونجحت في جامعة بشار، ومن جامعة بشار حصلت على قبول في جامعة السوربون في باريس .. وعشرة جامعات أخرى في فرنسا.
بعيدا عن التخصص الآن، كيف تنجح في الجامعة؟
هناك ثلاث أنواع من الطلبة :
لا يتعب وفاشل
يقدم الحد الأدنى، فقط لينتقل إلى السنة التالية
يتعب كثيرا ويتفوق
بالنسبة لي التفوق في التخصص أهم بكثير من التخصص. التخصص لا يضمن الفرص لاحقا لكن التفوق سيضمنها بنسبة كبيرة. بالنسبة لي صاحب المركز الأول في الرقص النقري ستكون له فرص نجاح وشهرة ومال أكثر من صاحب معدل 10 في الفيزياء النووية.
أخيرا :
القضية ليست أبيض وأسود، لكن خيار براغماتي أضمن عمومََا من خيار مبني على العواطف. غالبية المتفوقين سيحصلون على فرص كثيرة، وغالبية من اختاروا شغفهم دون أخذ معايير أخرى بعين الإعتبار لن يحصلو على فرص كثيرة.
الإنضباط + تعب = نتائج وفرص أكثر. ==> إستغلال جيد للفرص = نجاح.
أي إن النجاح لا يأتي فقط من الانضباط والتعب بل من استغلال الفرص ، والفرص لا تأتي من البداية دون انضباط وتعب.
لست ضد الشغف، أنا فقط ضد جعله أهم معيار، هو معيار يأتي بعد فهم التخصص وقدراتك ..
هذه هي نصائحي "الشخصية" أتمنى للجميع التوفيق. أكيد اللي رايح يجي ويقول أن الجزائر النجاح فيها بالعرف (وساطة) ومانعرف، ربما .. لكن إذا فرص النجاح لمتوفق بدون عرف ضئيلة، ففرص النجاح لفاشل بدون عرف منعدمة، أنا نفضل الضئيلة على المنعدمة =).
التعليقات