حدث البارحة، سمعت ورأيت بأم عيني إحدى أكبر جرائم التربية المتخلفة لشاب، مستمدة من التقاليد البالية التي يتوارثها المجتمع خصوصا الصغيرة منها كمجتمعات القرى، المكان الذي نشأ فيه من أتكلم عنه، ثم يا للمصيبة عندما علمت أنه يدرس بكلية الطب البشري سنة سادسة، أي مسألة وقت قبل أن يصبح طبيبا يحاول مداوة الناس وهو من بحاجة إلى مداواة عقله أولا.
كنت قريبا من منزل صديق لي، فخطر لي أن أمر عليه وهو أمر لم نعتده بدون أن نحدد موعدا لزيارة بعضنا، استقبلني صديقي وسرعان ما أدركت خطأ توقيت زيارتي المفاجئة، فقد كان مشغولا جدا، يزوره اثنين من أصدقائه، ويحضر الغداء.
دخلت سلمت وجلست، ومباشرة استأنفوا حديثهم، يمازحون الشاب الذي أحدثكم عنه، والذي يبدو بأنه قد تزوج قريبا منذ حوالي الشهر.
ثم بدأ بطلنا العربي يتكلم ويشرح لماذا تزوج وليرد على مزاح صديقيه العازبيين، بأنه ارتاح من هم الطبخ وغسل الثياب وو من هذا الكلام الفارغ الذي نعرفه جميعا عن أن المرأة خلقت لبيت زوجها وأولادها.
ليست هنا المشكلة فمثل هذا الكلام وإن كان مزعجا لي فليس بجديد علي، المشكلة عندما سأله صديقي من أين اختار زوجته، فيجيب بأنه عاد و انتقاها من قريته، وهنا اقتبس جملته التالية التي تعلل لماذا: " بنات الجامعة لا يصلحون للزواج، لا تعرف عنهم أي شيء، بنت الجامعة بتصير رفيقة حبيبة صاحبة بس لما بدك تتزوج بدك ترجع لبنات القرية اللي بتعرف أصلهن وتربيتهن"
نظرت إليه محاولا استيعاب سماعي للتو أحقر جملة قالها شخص أمامي، أردت أن أرد ومتأكد لو أني تكلمت فقط بأول كلمة لكنت قسيت عليه بكلمات لن ينساها ما بقي حيا، أو أقلها ألجمته بإحدى الردود القصيرة التي يجيدها لساني، لكن اكراما لصديقي لم أتكلم أبدا وبقيت كذلك حتى انتهى صديقي من إعداد الغداء، ليعرفنا على بعضنا، ويا إلاهي كم تمنيت عندما نطق صديقي باسم ذلك الشاب ونوع دراسته أن أقول "لم تسرني معرفتك"، لكن مرة أخرى سكتت ورسمت على وجهي ابتسامة صفراء وأنا أهز برأسي.
وإلى الآن لم أستوعب كيف يخرج هكذا كلام وقح من فم طالب، المصيبة أن طريقة قوله له وكأنه يحفظه بصما يدل على أنه تعلمه كدرس من والديه من أقاربه من مجتمعه، ثم اذا تكاثر عقليا هذا المخلوق فلن تنقرض مثل هذه التقاليد.
هذه العقول المريضة التي وصلت إلى اعتبار البنت التي تدرس في الجامعة ولديها أصدقاء شباب عاهرة، أما اذا كانوا أحد هؤلاء الشباب فهي علاقة مؤقتة للتسلية لا تصلح للاستمرار.
الأمر ليس حدث البارحة فقط بل حدث ولا حرج، ويحتاج منا علاجا جذريا مستعجلا، لأنه وباء عقلي ينتشر عن طريق التكاثر في بيئة مناسبة تفوح منها رائحة التقاليد البالية.
كم أتمنى أن يقرأ ذلك الشاب كلامي هنا، فيعرف مباشرة نفسه لكن متأكد تماما بأنه لن يحصل لأن مثل هذه العقول لا يناسبها هكذا مجتمع لأفكارها.
أعتذر إن كانت كلماتي قاسية، لكن كنت أحتاج بشدة أن أفرغ ما تولد بداخلي من كره وغضب، وربما سأشعر بالارتياح إن قرأت ردودكم، وأتمنى أن تكون نسب الإصابة ببلادكم بهذا المرض قليلة جدا أو معدومة.
التعليقات