هل فكرت يومًا ما أن ما تفعله يمكن أن يكون محض هراء؟
.
حسنًا، إليكم قصتي باختصار..
أنا شابٌ في انتظار عامه ال 21، بدأت في دراسة الهندسة منذ ثلاثة أعوام وكنت على وشك أن أتزوج بها، حتى اكتشفت في النهاية أن عقلي مجرد مخادع كبير استطاع بجدارة أن يقوم بخيانتي..
ماذا حدث؟!
-مع بداية دراستي للهندسة، بدأت في المشاركة بالأنشطة الطلابية، ثم منها انتقلت إلى الأنشطة المجتمعية التطوعية.
تنقلت بين أكثر من سبعة أعمال مجتمعية مختلفة خلال الفترة السابقة، وكلما انضممت لعمل أقضي به فترة أضع بصمتي وأحصل على بعض الخبرات حتى أجد أنني لم أعد أستفيد ثم أتركه وأتجه لغيره وهكذا..
كلما شاركت أكثر كلما تعلمت أكثر، وبدأت في مصادقة أشخاص أصحاب تأثير إيجابي في مجتمعنا الصغير...ومن هنا بدأت في الانفتاح على عوالم التدوين، العمل الحر، ريادة الأعمال، وغيرها من الأعمال الأخرى.
وعند ذلك إكتشفت أن الهندسة ليست الشيء الوحيد في العالم، وحتى ليست الأفضل على الاطلاق!
لذلك قررت أن ابدأ في ممارسة إحدى هواياتي المفضلة وهي الكتابة، واستطعت عن طريق بعض العلاقات التي قمت بتكوينها، أن أقوم بالبدء في عملي الحر كمدون بأحد المدونات العربية،
في البداية لم يكن دخلي بالكبير وكان دائمًا ما يأتي متأخراً، لكنني على الأقل استطعت للمرة الأولى أن أحصل على عمل يكاد يكون مستمر بدون احتياجي لشهادة، أو خبرة..
وبعد مرور عدة أشهر نتيجة لممارستي التدوين بشكل مستمر وتطور أسلوبي في الكتابة؛ استطعت أن أعمل في أكثر من مدونة وبدأت أحقق دخل أكبر وأكبر، وها هي اللحظة المنتظرة..لقد أصبحت مستقل ماديًا،
بالإضافة إلى ذلك ونتيجة لتعلمي المستمر على منصات التعليم الإلكتروني، استطعت أن أحقق تقدمًا كبير في مجالاتي بالأعمال المجتمعية مثل الموارد البشرية وغيرها وأصبحت متميزاً فيها، حتى توافرت لي فرصتان استطعت فيهما أن أقتحم عالم ريادة الأعمال بشكل فعلي..
هل يتمنى شاب في بداية عشريناته أن يصبح المدير التنفيذي لقسم ما بشركة ناشئة، أو حتى المسؤول الرئيسي عن أحد أجزاء مشروع ضخم؟
حسنًا وبدون مبالغة، كان القائمين على العملان بالكامل من الشباب وكنت أنا أحد هاؤلاء المحظوظين الذين استطاعوا الحصول على تلك المناصب الخرافية...وعلى الفور قمت بتوديع الكتابة للتفرغ لهذه الأعمال. (بالإضافة إلى أن الكتابة لم تكن هي رغبتي الأولى والأخيرة، فقط هي مجرد هواية أحولها إلى عمل متى أردت)
ماذا حدث بعد ذلك؟ .. هل تحققت أحلامي بتغيير العالم؟
لا لم يتحقق شيء،
وجدت نفسي منحصراً بالكامل داخل هذه الأعمال، كنت كالآلة العاملة بالمصنع، حيث أصبحت (الموظف) الذي حصل على وظيفته في عمل ريادي قبل تخرجه بسنتين، والخبرات التي كنت أتحصل عليها لم تكن بالمُرضية على الإطلاق برغم ضخامة حجم العملين .. بدأت المهام المكلفة إلي بالازدياد يومًا بعد يوم في أحد الأعمال نتيجة لموافقتي الدائمة على القيام بأعمال إضافية وإنهائها بجودة عالية .. شعرت بالاستغلال وقررت أن أترك ذلك العمل على الفور..
حسنًا، فلننظر إلى بعض المميزات، الأن تركت أحد العملين وأصبحت أعمل بعملٍ واحد فقط، ويمكنني أن أركز أكثر به..
وبالفعل بدأت بتوجيه جهدي بالكامل إليه،
لكن!! .. ما هذا الذي يحدث؟! ، أين الخبرات التي وعدتموني أن أحصل عليها أثناء إقناعي بالانضمام لهذا العمل في البداية؟، هل أقوم بإنهاء بعض المهام المرفقة إلي دون أن يتواصل أحد معي أو يباشر العمل! .. هل أنا مجرد آلة عاملة وفقط!، هل إنضممت من أجل وظيفة ومرتب أخر الشهر، أم من أجل الخبرة والتجربة؟! .. لذلك، لم أتردد أيضًا في هذه المرة في ترك ذلك العمل، وعندها فقط قررت أنني لن ابدأ بريادة الأعمال مرة أخرى إلا بعمل خاص بي أقوم بإدارته!
من هذا المجنون الذي يقوم بإلقاء هذه الفرص؟! .. هل هو فاشل؟ .. أم مجرد شخص لم يجد ما يريده في شيء ما فقام بتركه بكل بساطة؟
حسنًا، بعدما تركت كل شيء، ماذا الآن؟!
-الآن باقي عدة أيام على بداية الدراسة (شهر سبتمبر الماضي)، بالتأكيد ما زلت أكن في قلبي بعض الحب للهندسة، فلنحاول التواصل مرة أخرى ونقوم بوصل الروابط..
بدأت الدراسة، لكن تمزقت هذه الروابط تمامًا أثناء وصلها، أصبح الأمر كالجحيم بالنسبة لي .. فبعد تعرضي للتجارب السابقة حتى ولو لم أوُفق بها، إلا أنها استطاعت أن تريني عالم جديد تمامًا، وأصبح أمر عملي بالهندسة بالفكرة المرعبة بالنسبة إلي،
هل أعطي اهتمامي كله إليها كي أتخرج وابدأ في العمل وسط الضوضاء، الأتربة، الشمس الحارقة، الألات والعمال؛ كي أتحصل في أخر الشهر على مرتب لن يكفي مصروف جيبي الشخصي؟! (في حالة ان وجدت الوظيفة)
هل ابدأ في وظيفة تعود علي بدخل استطعت أن أحقق أضعافه وأنا أمارس هوايتي -الكتابة- أثناء جلوسي بمنزلي الهادئ أحتسي كوبًا من النسكافيه الدافئ، وقبل حتى تخرجي بسنتين؟!
-بالتأكيد الأمر ليس ظلامي إلى هذا الحد بالنسبة للهندسة، فبعد خمسة سنوات من الخبرة سوف يبدأ ذلك المرتب في التزايد، سوف تحصل على الوظائف بشكل أسهل بعد عشرة سنوات، كما يمكنك أن تبدأ مشروعك وأنت في سن ال 60 !! ، ليس ذلك فقط، يمكنك أيضًا أن تحصل على زواج صالونات محترم، ومكانة مجتمعية مرموقة وسط أولئك الذين يعترفون بهراء كليات القمة!!
لذلك وبعد وصول الأمر لذلك الحد، بدأت أتغيب عن الحضور معظم الأيام، بدأت أكره ذلك الهراء الذي أفعله كل يوم.. لقد تركت كل شيء، أصبحت مجرد شخص..عادي..عاطل..غير ملتزم بدراسته..
يا إلهي ماذا أفعل الأن، لقد اكتشفت أنني لا أفعل سوى الهراء وفقط، منذ بداية التحاقي بتلك الهندسة، ومنذ بداية مشاركتي بهذه الأعمال المجتمعية والتجارب الريادية، ما أنا إلا شخص غبي، ساذج، لا يعرف ماذا يريد غير أن يكون مؤثر بطريقة ما!
لكن هل حقًا الأمر كذلك فقط؟ .. هل أنا غبي فعلا؟ .. هل كل ما فعلته كان مجرد هراء؟ .. هل أستسلم الأن؟
لا أعتقد ذلك..قد أكون اتخذت بعض الخطوات الغبية، قد أكون مجرد شخص ساذج، لكنني بالفعل تعلمت..
لا أعرف ماذا سوف أفعل الأن بالظبط، لكنني بالتأكيد لن أكرر أخطائي السابقة..
الشباب من أصحاب الخبرات والتجارب، ماذا تنصحوني أن أفعل؟..
كل ما يدور في عقلي الأن هو أن أستمر في دراستي برغم كرهي للأمر، وأستمر في التعلم على منصات التعليم الالكتروني والعمل الحر، بالاضافة لأن اقوم بتأسيس عملي عندما تأتي الفرصة!
لكن الوضع أصبح مشوش بالنسبة إلي، فعند إجتماع كل هذه الأشياء أجد نفسي في النهاية لا أفعل شيء مؤثر!
تنويه
إنني لا أقلل من شأن الهندسة، حيث أنني أعشقها بتأثيرها ونفعها، لكن ليس بشكلها الدراسي القائم على التلقين، ولا حتى بشكلها العملي السيء في عالمنا العربي
عذراً على طول الموضوع، وأتمنى مناقشة ممتعة يقدم فيها القراء وجهة نظرهم فيما فعلت، وما هو الأفضل بالنسبة إلي وبالنسبة للشباب في مثل هذا العمر.
التعليقات