أنت في مكانك العاجي لن تعرف أبدًا عن الآخرين الساقطين من بهرجة الدنيا.
يُقال له "سوق الجمعة"؛ في حارتي كنت أظن أن الناس بائسين، ويُعانون نكد العيش، لكن ما رأيته في سوق الجمعة أبان لي أن الحارة "كمبوند" راق لا يعرف شيئا عما دونه؛ دخلت السوق. لم أنظر إلى الناس بل نظرت إلى البضاعة التي حكت أكثر من الوجوه الشاحبة. تساءلت في عجب "من يشتري خاتم صدئ وقعت فصوصه؟" ثم سألت في حزن بالغ "ماذا يرتدي البائع إن كانت هذه أحسن بضاعته؟!". كنت أطير على جناحين، جناح سعادة أني خرجت مع صديقي، وهذا نادرًا ما يحدث، وجناح ألم هبط بي إلى عالم كنت أظن أني أعرفه، لكن كُشف لي عن مدى جهلي به!
عبائتي المتأنقة أثارت عجب البائع من نفسه وهو يقول: "اتفضلي يا هانم!"، لعله تسائل "ماذا يمكن أن تشتري تلك المرأة من بضاعتي التالفة؟!". لماذا لم أنظر إلى الباعة؟ لقد خشيت أن أواجه حقيقة الدنيا العارية والمقيتة!
"قربي يا آنسة. قربي يا مدام. قماش طري وناعم، وما بيخربش" قالتها فتاة دون التاسعة تلهو وترقص وحولها أهلها يضحكون ويبتسمون في حنان. "خدي يا ست الله يحنن عليك وعلينا" قالها رجل مسكين لامرأة تشحذ الخبز! "هذه بسبعين. انتظر. يمكن أن تأخذها بما تُريد" قالها بائع لرجل قادر أن يعطيه أضعاف المبلغ الذي قاله على استحياء. أرقب صور الحنان والإيثار والزهد في بقعة من الأرض تعج بالأشقياء! سوق الجمعة الذي مررت إليه بأحياء راقية لا تعرف عن بائعيه شيئا، لا تعرف عن حارتنا شيئا، يخرج ساكنيها على التلفاز يحكون حكايات إنجازاتهم التي بدأت فقط بمليون جنيه، بينما هناك على الطرف الآخر أناس يُصارعون الجوع.
التعليقات