-التجربة الطفولية لا تحدد المسار بقدر أنها كالتاريخ، تعيد نفسها-
في طفولتي كانت الحضانة أشبه بكيدزانيا صغيرة، وكان لنا خزانة تحوي عددًا من الأزياء -ستة تقريبًا- ودائمًا ينشب الشجار على زيين: البنات كلهن يردن الكوت الأبيض وسماعة الطبيب الوردية، والأولاد يحاولون نيل رضى المعلمة لأخذ زي رجل الإطفاء
هكذا، كانت الحضانة مسرحًا للمستقبل..
في المرات القليلة التي لم استطع فيها الحصول على معطف الطبيب، كنت أميل لمريلة الطهي أو فستان الأميرة.
مرة وفي طريقي للعب دور الأميرة رأيت طفلًا قد صنع بيتًا جميلًا بالمكعبات الخشبية
يجلس بهدوء في ركن ألعاب التشكيل الذي لم أهتم أبدًا به.
كنت دائمًا مع السرب ولأنني في طليعته بالغالب لم أرَ رغبةً في تركه، لكن بتلك اللحظة أسرتني الزاوية الهادئة، حيث طفل وديع يبني كوخًا قرويًا خرج من عالم أرانب عيد الفصح للتو.
توالت الأيام..
صار الانخراط في منافسة الأزياء ثقيلًا، انسحب منه دومًا الى ركن التشكيل.
وبدأت أبني كوخي الخاص والذي ما لبث أن أصبح قرية ريفية كاملة يملأها أناس طيبون.
وعكس ما كان يحدث من شجار بيني و بين فتيات الصف على معطف الطبيب، لطالما كان طفل المكعبات ودودًا معي، حين يراني أحتاج قطعة يغدقني كرمًا من حصته حتى أكمل تحفتي.
حين انهيت الحضانة، لم أفتقد شيئً أكثر من معلمتي السمراء (هبة) وذلك الطفل من ركن التشكيل
مر ما يقارب العقدين، ولأول مرة أعي أنني في كيدزانيا كبيرة
جرفني السرب معه، وتأخرت حتى تفلتت مني المعاطف البيضاء جميعًا
المشكلة أن زي الأميرة ومريلة الطهي لم يعودا ممتعين كالسابق، وحتى الآن لم أجد زاوية المكعبات ورفيق اللعب الوديع بعد .. هكذا "لا يكبر المرء تمامًا أبدًا"
التعليقات