- إننا لا نجد العزاء الكافي في الجنس، لذلك صنعنا الحضارة عبر كبت الرغبة وتحويلها إلى الموسيقى والمعرفة والسينما والمخدرات. ما نراه في الظاهر قمعا للجسد واقتصادا لفعّاليته، ينظر إليه فرويد على أساس أنّه الحاجة القسرية لصناعة التاريخ، لم تكن الحضارة سوى قدرة الوعي على التحكم في الجسد، وتحويل طاقاته نحو شيء غير طبيعي، شيء يفوق الذات نفسها. هذا التأويل السيكولوجي للحضارة البشرية، لم يتوقّع صاحبه يوما أنّ الحضارة نفسها ستتجاوز الإنسان، ليصبح العماء والنزعة الميكانيكية والتقدم أربابا على البشر، بل لم يتوقع أن حضارة المعادن والتكنولوجيا ستسيطر على حركة الوعي نفسه، وتصنع "الإنسان ذي البعد الواحد". لا يمكن تبنّي الطرح الغنائي الرومانسي بالهروب إلى الطبيعة مجددا، إذ إن مسلك الحضارة أحادي الاتجاه، ولا عودة منه. الطريق نحو الحرب النووية لا محيد عنه، إذ يخبرنا التاريخ أن التكافؤات دائما مؤقتة، وأن الحماقة جزء من هوية الإنسان. محظوظون أولئك الذين سيشهدون ذلك الدمار الهائل، نفخة إسرافيل في سور البشرية.
صناعة التاريخ
لماذا كل شيء يجب أن يدور حول الجنس؟ ولماذا يتم اعتباره هو الدافع لنهضة وتطور البشر؟
لا أتفق مع ذلك، فالإنسان حين اتجه من جني الثمار وصيد الحيوانات إلى الزراعة لم يكن هذا دافعه، وحين قام بترك الكهوف وصنع البيوت لم يكن هذا دافعه، وحين بنى التماثيل ورسم اللوحات وبنى الأهرامات لم يكن هذا دافعه!
التعليقات