أفتح عيني بتثاقل شديد يزعجني شعاع الضوء الذي يتسرب إليهما، أحاول النظر إلى الساعة المعلقة على الحائط مباشرة أمامي فأدرك أنني نمت أكثر من اللازم بينما أشعر بتعب شديد كأنني لم أنم أبدا.. أرفع عني الملاءة التي تبدو و كأنها تحولت إلى كومة من الحجارة الثقيلة.

أجر خطاي نحو المغسلة أتناول بين كفي كمية كبيرة من الماء البارد ثم أغطس وجهي فيها و أعيد ذلك مرة تلو الأخرى في محاولة مستميتة للاستيقاظ .

يتقابل وجهي الذي يقطر ماء مع المرآة فأرى ما خلفته نوبة الاكتئاب الجديدة من ذبول على بشرتي و زرقة على شفتي و بلادة على ملامحي..

كنت قد قررت مسبقا أن أتعامل مع نوبات الاكتئاب بطريقة أكثر فعالية، فقد بت مقتنعة أنها جزء من حياتي و لا يمكنني التغاضي عنه.. أعددت لوائح محددة لكل نشاط وجب علي الالتزام به كي لا أفقد السيطرة على حياتي و كي أخرج من نوبة الاكتئاب بأقل الخسائر الممكنة ، و اقتنيت علبة لتنظيم الأدوية و تحديد جرعة كل يوم كما أنني حددت تذكيرا على الهاتف لكي آخذها في وقتها المحدد.

لقد اقتنعت أن دور الدواء في حياتي هو السيطرة على نوبات البهجة و الاكتئاب و ليس التخلص منهما تماما.

ليس الدواء وحده بل العديد من النشاطات الأخرى (تحدثت عن لائحتها سابقا) من الواضح أن الكتابة هي واحدة من هذه النشاطات. بالاضافة الى ذلك هناك الكثير من الأمور التي أدونها كمهام و جب علي الالتزام بها و التي قد تيدو غريبة كغسل الوجه و الاستحمام، تمشيط الشعر و تنظيف الاسنان، تناول الطعام و شرب الماء، المشي و التعرض لأشعة الشمس... دونت كل ذلك و أكثر ووضعت أمام كل مهمة مربعا صغيرا أضع به علامة في حال ما إذا تمت المهمة بنجاح.

وعدت نفسي مرارا و تكرارا بالالتزام بلوائحي التي وضعتها سابقا، وأنا أمر حاليا بنوبة اكتئاب رجعت الى احدى اللوائح فوجدت نصيحة مني إلي "إذا شعرتي بأن الكتابة ستريحك، اكتبي و صفي ما تشعرين به ! " و ها أنا ذا أفعل.. أشعر بضغط كبير على كتفي و أصارع لكي أبقى على قيد الحياة منتظرة أن تمر هذه النوبة بسلام .

حان الوقت لوضع علامة "تم" على مهمة الكتابة.

لم يخف الثقل كثيرا.. لكن مجرد فعل "شيء" أي "شيء" و أنا في نوبة اكتئاب يعتبر انجازا كبيرا.