قد عشت ذلك بالفعل، لي تجربة مع أحد الأصدقاء أيام المدرسة الثانوية كنت انا قسم ادبي وهو قسم علمي رياضيات وهو جاراً لي في نفس الوقت كان يفعل ذلك حرفياً، كان لا يحب مجالسة الآخرين وأحيانا تجده يتكلم بطريقة عادية وفجأة يغادر المكان دون سابق إنذار وينقطع بالعشرة أيام لا تسمع عنه شيء، ثم فجأة يظهر على الساحة وعندما تسأله أين كنت يقول (شوية كده وشوية) يعنى بالمصري (مش مهم)، كان بارع في حل الألغاز ولكنه قليل الحفظ لا يحب المواد التي تربطه بالذاكرة كالجغرافيا او التاريخ، فلسلفة، علم نفس، علم اجتماع، لكنه كان يعشق الرياضيات والفيزياء والكيمياء لدرجة أنه كان يلقبه المدرسون بفيثاغورث المدرسة، لدرجة أحيانا كان يعدل أخطاء للمدرسين في الشرح على السبورة، كان أيضا لا يحب مجالسة الغرباء ويخجل كثيرا عندما تكتظ غرفة الدرس بالطالبات أو الفتيات، وعندما يغضب تسمع صوت صرخاته من على بعد كيلو ولابد أن تبتعد عنه فورا، ودائما كان يتشكي منه والدته ووالده من تصرفات مثل هذه وعلى الرغم من كل هذه التصرفات إلا أنه طيب القلب جدا ودود ويحب مساعدة الآخرين ويدمع عندما يرى شيء يحزنه، تخرج من الثانوية والتحق بكلية العلوم ولم أعرف عنه شيء سوى أنه جاري والسلام بيننا (مرحب سامي اهلا فلان) تخرج من الجامعة وعندما بلغ سن 23 عام تدهورت حالته بدأ يتحدث إلى نفسه ويجالسها كأنه يتكلم مع شخص غير مرئي تدهورت حالته أكثر تدريجيا وأصبح شديد السباب واللعن لمن يعرفه ومن لا يعرفه في الشارع، طالت لحيته وأطلق شاربه بدون تمشيطهم او تهذيبهم وأصبح قبيح المنظر وغير نظيف الملابس، كنت عندما أراه أحزن كثيرا على هذا الصديق، ابتعد عنه أصدقاءه وابتعد هو أيضا عنهم، وفي يوم من الأيام رأيته يركض وراء والده في الشارع بسكين يريد أن يقتله اجتمع كل الجيران وحاولوا أخذ السكين منه وحالوا تهدأته الا ان جاءت سيارة مستشفى أمراض عقلية أحد الجيران اتصل بهم، غاب الصديق لمدة سنة كاملة لا نسمع عنه شيء سوى أنه يُعالج على نفقة الجمعية الأهلية (جمعية في المنطقة تهتم بالحالات التي لا تقوى على تكاليف العلاج) الجمعية رأت انه شاب ذكي ومتفوق جامعياً وستكون خسارة كبيرة فقدانه ، قررت ايداعه فى مستشفي أمراض عقلية حتي يتم العلاج، وأخيراً خرج الصديق ولكن لا يستطيع تكملة حياته إلا بتناول علاج سيبقى ملازما له حتى مماته حتى لا ترجع له مثل هذه الحالات مرة أخرى، عندما سألت عنه والده لماذا أصيب بكل هذا قال إن له جد كان يفعل ذلك وأنه يعلم أنه سوف يُورث بمولود سوف يفعل ذلك يوما من الأيام وان تصرفات ولده منذ الصغر تدل على انه سيصبح كذلك وكان يعد لذلك ولاحتواء المشكلة عندما تظهر وقال لي حرفيا (الموضوع ده منتشر قوي في عيلتنا يا سامي من زمان قوي يعني ميراث) صديقي هذا مصاب بالفصام في يوم ذهبت لزيارته وجدت غرفته غير مرتبه لا أفهم كيف يعيش في جو مثل هذا بقايا السجائر في كل مكان بالغرفة رائحة الغرفة كأنها لم يتم تنظيفها منذ قرون، قال دعني أخبر أمي لتحضر لنا الشاي، لفت نظري كتاب موجود على الرف مددت يدي لأعرف ما هو اسم الكتاب ثم اعدته، عندما رجع قال لي حرفيا هناك شيء غريب في ترتيب هذه الكتب هل عبثت بشيء، قلت له أنا فقط أردت معرفة اسم هذا الكتاب ووضعته مكانه مرة أخرى، قال هذا ليس مكانه ثم إعادة لمكانه الأصلي وبنفس ما كان عليه سابقا وبنفس الزاوية السابقة، وقال لي بصوت عالي (متحركش حاجه من مكانها إلا لما تقولي دي الوقتي روح بقى عشان عايز أبقى لوحدي) :speechless: ، في الحقيقة لم أكن غاضبا أبداً من تصرفه معي هكذا لأني قرأت قبل ذلك كثيرا عن هذا المرض وقرأت عنه أكثر عندما علمت أن صديقي أصيب به، وأن هذا التصرف لا إرادي يفعله مريض الفصام دون أن يشعر، ويكون أكثر عدوانية عندما تختلف معه حول موضوع يقتنع به هو وربما يصل الجدال إلى الاقتتال في بعض الأحيان لأنه لا يدرك ما يفعله، أتذكر أنه قال لي يوما اوباما زارني اليوم وقال لي أريدك ان تكون مستشاري الشخصي:)، قلت له يريدك أن تكون مستشاره الخاص إذاً فهو يثق بك، تمسك به جيدا، قال نعم سأفعل، في هذه الحالة لا بد أن تجاريه فيما يقول ولو اختلفت معه سيتحول إلى إنسان غريب ويتهمك بأنك عدوه وأنك تحاول أن تكون عدوا له ولاوباما ولكن ومع الالتزام بتناول الدواء يرجع إلى شخصيته الأصلية نوعا ما، أخيرا أخينا هذا تزوج وأصبح لديه أسرة ولكن لا يستطيع تكملة حياته بدون العلاج وهو يعمل الآن كباحث في العلوم التطبيقية بالجامعة اليابانية ببرج العرب الاسكندرية، ومن أكفأ الموظفين الا انه لا يهتم أبدا بملابسه، وإذا رأيته دون أن تعرفه لن تصدق أبداً أن هذا الشخص يعمل كباحث وأن هذا الشخص يتقن التحدث بالعربية الفصحى والإنجليزية والفرنسية واليابانية، ايضا جرب أن تعطي له أصعب مسألة رياضية من على الإنترنت أو أي مكان (واحتفظ بالحل في جيبك) لن تأخذ منه أكثر من نصف ساعة وستجد الحل مطابقا لما هو في جيبك، بالمناسبة هناك فيلم اسمه A Beautiful Mind يحكي قصة حياة جون فوربس ناش عالم الاقتصاد المشهور وهي مثل قصة صديقي بالضبط لو لم تكن القصة لهذا العالم المشهور لقلت انها لصاحبي.
صديقي هذا له قدرات خاصة ولكن للاسف!!!
الحقيقة نهاية قصة صدقك هذه كانت صادمة ومفاجئة لي للغاية!
كنت اظن مع سرد الأحداث أن الحال سينتهي بصديقك يُكّلم الجدران ونفسه وسيبتعد عنه الجميع ولا أمل منه وأن ذكاءه تبخّر أدراج الرياح! لكنه تزوج!!!!
من خلال معرفتي المتواضعة بمرضى الفصام، أعلم أن لدى نسبة كبيرة منهم ذكاء خارق لدرجة تُصعق عند معرفة أن هذا الإنسان الذكي غير سوي نفسيًا.
وقد أشارت العديد من الأبحاص بهذا الخصوص أن الوراثة يُمكن أن تلعب دورًا في الفصام. فإن كان في العائلة شخص مصاب بالفصام ولو من الأجداث يُمكن أن يُورّث المرض لشخص في أدنى شجرة العائلة.
لكن الأمر الذي استرعى اهتمامي وأثار صدمتي كما قُلت، أنه تزوّج. ورغم أنني لا أعلم طبيعة اعلاقة مرضى الفصام مع عائلاتهم، أجزم أنها صعبة! وأشفق على حال الفتاة التي ارتبط بها! مجتمعنا لا يُعيب الرجل، ولكن إن كانت الفتاة مصابة بهذا المرض، فقد حُكم عليها أن تعيش ما تبقى من حياتها لوحدها!
أتمنى الأفضل لصديقك دومًا وأن يُغير الله حاله للأحسن
أتفق معكِ أن 80% من حالات هذا المرض انتهى بهم المطاف اما في مشافي الأمراض العقلية او احدى غرف المنزل مكتفين من أيديهم وأرجلهم حتى لا يتضرر أحد من أفعالهم، أو تركهم في الشوراع يهيمون مع مخيلتهم حول عزو الفضاء والشخصيات الخيالية التي يتحدثون إليها دون أن نراهم، ولكن مثل هؤلاء الأشخاص إذا تم العناية بهم جيدا وصرف الدواء في وقته المناسب ستحصل على إنسان فائق الذكاء وفي المجمل يتعامل بشكل طبيعي مثله مثل الإنسان العادي، صاحبنا هذا لم تظهر عليه هذه الأعراض إلا بعد أن تخرج من الجامعة أي أنه أتم مراحله التعليمية بنجاح وبالعكس كان من أوائل الجامعة حسب ما ورد من زملائه في الكلية وعندما ظهرت عليه مثل هذه الحالات تلقي الدعم الكافي من جمعية أهلية هنا جزاهم الله خيرا تحصد أموالها من المتبرعين من أهل المدنية ورجال الأعمال في المنطقة وهم خير عون لمثل هذه الحالات وتصرف له العلاج الكافي شهريا مع متابعة طبية له إذا تطلب الأمر، وهو الآن متزوج وعلاقته بزوجته طبيعية جدا حسب أقوال والدته ووالده وزملائه في العمل، في النهاية سعيد جدا بأن نهايته هكذا لأني كنت سأكون حزينا جدا لرؤيته كمجنون فى الشارع يرميه الأولاد الصغار بالحجارة بعد كل هذه الصداقة التي كانت تجمعنا في المرحلة الثانوية وكل ما مر به من قدرات مختلفة.
التعليقات