يقال دائمًا إن الاستماع إلى العملاء هو مفتاح النجاح، وإن رضاهم يحدد مصير أي مشروع. لكن ماذا لو كان العكس هو الصحيح؟ ماذا لو كان العملاء أنفسهم عاجزين عن تصور الحلول المبتكرة، ويطلبون فقط تحسينات على ما يعرفونه بالفعل؟ كثير من أعظم رواد الأعمال لم يعتمدوا على استبيانات العملاء ولا على أبحاث السوق التقليدية، بل آمنوا أن دورهم ليس تلبية الطلبات، بل خلقها من الأساس.
ستيف جوبز، أحد أبرز رواد هذه الفلسفة، كان يؤمن بأن العملاء لا يعرفون ما يريدون حتى يرونه أمامهم. لم يكن هاتف iPhone نتيجة مطالبات العملاء، بل ابتكار غير متوقع غيّر سوق الهواتف بالكامل. هنري فورد، قبل عقود من ذلك، قال مقولته الشهيرة: "لو سألت الناس عما يريدون، لقالوا لي إنهم يريدون خيولًا أسرع." لكنه لم يمنحهم خيولًا أسرع، بل قدّم لهم السيارة.
لكن هل يمكن لأي مشروع أن يتجاهل العملاء بنفس الجرأة؟ الحقيقة أن عدم الاستماع إلى العملاء قد يكون خطأً قاتلًا. Google Glass كان مشروعًا تقنيًا واعدًا، لكنه فشل لأنه تجاهل مشاعر المستخدمين حول الخصوصية والمظهر الاجتماعي. لم يكن الخطأ في الفكرة نفسها، بل في عدم إدراك كيف سيتقبلها الناس. هنا لم يكن تجاهل آراء المستخدمين ذكاءً تسويقيًا، بل كان رهانًا خاسرًا على رؤية لم تتماشى مع الواقع.
الأمر يصبح أكثر تعقيدًا عندما نتحدث عن المشاريع الصغيرة والمتوسطة. في هذه الحالة، يعتمد النجاح على تحقيق التوازن بين الابتكار والاستماع إلى العملاء. المشروع الناشئ لا يمتلك الموارد الضخمة للمراهنة على رؤى غير مُختبرة، لكنه في الوقت نفسه لا يجب أن يتحول إلى مجرد منفّذ لرغبات السوق. التحدي الحقيقي هو تقديم قيمة جديدة يستطيع العملاء تقبلها والتفاعل معها، حتى لو لم يكونوا قد طلبوها صراحةً.
إذن، متى يكون تجاهل آراء العملاء ذكاءً استراتيجياً، ومتى يكون مجرد غرور قد يودي بالمشروع إلى الفشل؟ وهل يمكن لرائد أعمال صغير أن يبتكر كما فعل ستيف جوبز وهنري فورد، أم أن هذه رفاهية لا تتوفر إلا لكبار اللاعبين في السوق؟
التعليقات