قبل عام ونصف، التقيت ب"لارا" في إحدى الجمعيات المهتمة بتطوير النساء وتمكينهن من أجل الحصول على فرصة عمل مؤقتة..
كانت تمامًا تحيا حياة البؤس بعد وفاة زوجها، أصبحت مسؤلياتها مضاعفة. وكونها لم تكمل تعليمها ولا تتقن مهارة معينة: كالتطريز، أو الخياطة، الكروشيه، أو الطباعة السريعة مثلا .. فكان هذا عائقًا كبيرًا أمام توظيفها.. اعتذرت منها الموظفة وأخبرتها أنه لن يتم قبولها هذه المرة، وربما يحالفها الحظ مرة أخرى. بدت لارا منهارة !
في مثل هذه الحالات أشعر بالعجز حين لا أملك طريقة للمساعدة! مع ذلك حاولت أن أجلس معها و أنصحها بإنشاء مشروع صغير خاص بها، بدلاً من تجرع ويلات الاحتياج و الانتظار أملاً بوظيفة قد لا تأتي..
اقترحت عليها إنتاج أي شيء تتقن صناعته. فقالت: أن الشيء الوحيد الذي تستطيع عمله، هو كعكة البرتقال التقليدية!
كان لديها الكثير من المخاوف والتحديات، فلا تمتلك علاقات، ولا رأس مال، ولا خبرة في صنع الكيك المميز ولا حتى بكيفية التسويق أو التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي!
لا أخفيكم كان التحدي كبير بالنسبة لي؛ وأنا أحاول أن أعدها: بأنها ستنجح وأن هذه الطريقة هي المثالية بالنسبة لوضعها. بحيث تنتج وتتطور في آن واحد، بدلاً من التعلم أولاً ثم التطبيق. فقررنا أن نسير بخطين متوازيين ..
بالنسبة لرأس المال: وفرنا ذلك من خلال "جمعية" فالعديد من النساء يتقنون هذا الأمر بحيث يقتطعون جزء من مصروفهن شهريًا ويجمعن المبلغ المطلوب ويتم توزيعه بشكل دوري حتى الانتهاء من السداد ولأن المبلغ الذي سيوفر لها رأس مال مشروع كهذا؛ يبدو بسيطاً فكان الأمر هينا، خاصة وأنها أول من سيقبض. وبالتالي فلن تدفع أول قسط.
أما الخبرة: فأدركنا مواطن الضعف والقوة لديها وبدأنا باستغلال نقاط قوتها في صنع كعكة البرتقال؛ ولكن مع تغيير بسيط بالمواد المستخدمة لنستهدف فئة: كبار السن ومرضى السكري.
والتحقت بدورة تدريبية عبر الإنترنت من أجل تعلم كيفية صنع كيك احترافي، وكيك للأطفال، وكيفية التزيين.
في كل مرحلة كانت تتعلم وتطبيق وتبيع في آن واحد.
أما بالنسبة للتسويق: فتبرعت إحدى الموظفات بإنشاء حسابات مختلفة وعمل التصاميم اللازمة..
خلال شهر واحد أبلت لارا بلاءً حسناً واستطاعت تحقيق دخل بسيط يوفر لها الحد الأدني من مصاريف الحياة..
في الشهر الثاني: بدأت تتوسع من خلال عمل كعك الأطفال وبيعه في المدارس والبقالات.
في الشهر الثالث : بدأت تنفيد كيك مناسب لحفلات أعياد الميلاد، وبدأ اسمها يشتهر.
خلال عام أتقنت لارا صنع الكيك، تعلمت مهارات بسيطة في التسويق والتعامل مع التكنولوجيا بشكل يمكنها من إتمام مشروعها دون عوائق. والجميل أنها الآن توظف سيدتان لمساعدتها.
أعتقد أن ما يميزها هو: محافظتها على الزبائن، تقديم أفضل منتج بسعر معقول، التطور المستمر في منتجاتها.
خطوتها القادمة هي: عمل متجر الكتروني لبيع الكيك ومستلزماته حيث تتواصل الآن مع شركة في الصين لصنع قوالب وأدوات تحمل اسم مشروعها. تعلمت لارا أن تبدأ مشروعها وكيف تديره، لكنها علمتنا أن المثابرة تصنع المعجزات، وأن "المستحيل" هو :العائق الذي نضعه لأنفسنا ولا وجود له بالواقع!
كانت هذه الاستراتيجية المتبعة مستوحاة من كتاب The lean stasrtup وهي استراتيجية المرونة التي أسس نهجها "إريك رايز"التي تدور حول أهمية تقديم المنتج إلى أيدي العملاء بأسرع طريقة ممكنة من أجل دراسة المنتج، والسوق ومعرفة مدى الطلب على هذا المنتج، وما هي التعديلات اللازمة والتعامل مع الأمر بدقة وتفاني.
ماذا ستكون النتائج لو قبلت لارا بتلك الوظيفة المؤقتة ؟ وبرأيك أيهما أفضل أن نحصل على وظيفة أم نسعى لأجل إطلاق مشاريع خاصة بنا؟ ما هي مميزات وعيوب كل مجال؟
.
التعليقات