قبل سنوات، في أول يوم دوام لي في المحكمة كمحامية متمرنة . 

فوجئت بطفل صغير بوجه شاحب وملابس رثة، يبدو وكأنه في العاشرة من عمره، يقتحم قصر العدل ليبيع الشاي، لصالح رجل آخر... كان مشهدًا عاديًا للجميع لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لي. 

 بدا لي هذا الطفل كما لو أنه قاصدًا و متعمدًا بيع الشاي هنا تحديدًا؛ ربما بحثًا عن النجدة، أو ربما ليطعن القانون بقلبه _ وجها لوجه_ 

كان يقف في ساحة القضاء كمجني عليه: يُستغل، ويُنتهك، و يُعنف.. والجميع يشهد على جريمةٍ مكتملة الأركان، وبكامل الأدلة التي لم تؤخذ بعين الاعتبار، ولم تنصفه. 

ثم يصبح هذا المشهد اعتياديًا للجميع. وفي كل يوم يتكرر ويتزايد عدد الأطفال المجبرين على العمل وترك الدراسة. 

كل ماسبق جعلني مندفعة من أجل مساعدتهم والدفاع عنهم ولو بكلمة طيبة كأضعف الوسائل. تطوعت ولا أزال في عدة أماكن تهتم بهذا الخصوص.

 كان "عمالة الأطفال" هو موضوع بحث التخرج المطلوب لاجتياز التمرين.

بعد كل هذا قمت بتأسيس شركة مختصة بتعليم ريادة الأعمال للأطفال.

 وفي المرة الأولى لإطلاق الإعلان؛ هاتفتني زميلة لتسألني: عما لو كنت أناقض نفسي؟! أبدت استغرابها من ذلك، وسألتني كيف يمكن أن أناهض عمالة الأطفال وفي نفس الوقت أشجعهم على العمل!

 نبهني سؤالها لأهمية توضيح الفارق بين المفهومين، وخاصة أن مجال تعليم الأطفال ريادة الأعمال هو أمر حديث نسبياً ولا بد من إزالة أي غموض حوله

 فعمالة الأطفال هي العمل الذي يعد استغلالاً : وهو الذي يستخدم وجود الأطفال كعمالة رخيصة أو عمالة مجانية ويجعلهم مستخدمين دون أن يكون له دور في تنميتهم أو تطورهم و يكون مصحوبًا بالتسرب الدراسي، و المشاكل الاجتماعية، التشرد .. وغيرها

بينما ريادة الأعمال: فهي صورة مثالية لتنمية الطفل وتطوير خبراته بحيث توفر له المعرفة اللازمة من أجل جعله قادر على خلق فكرة مشروع مناسبة له وتعلمه كيفية إدارته، وتحقيق الربح باستمتاع وتسلية. 

كما تهدف لتشجيعهم على التفكير الإبداعي وابتكار أفكار وحلول جديدة ؛ خاصة أن الأطفال يملكون قدرات هائلة وخيالاً خصبًا يمكنهم من اقتراح أفكار مبهرة. 

ولذا أقول: ليس من المبكر تعليم الأطفال ريادة الأعمال فإنهم حين يخرجون بفكرة جديدة أو حل لمشكلة تتولد لديه معتقدات إيجابية عن أنفسهم. وفي كل إنجاز يحققونه يشعرون بالفخر والثقة.

ولأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر؛ فمن الضروري تعليم كافة الأطفال مبادئ ريادة الأعمال في سن صغير حتى نستطيع تغيير الوعي المتوارث والبرمجة الفكرية والسلوكية السلبية، وتحويلها لنقاط قوة تساهم بتطوير اقتصاديات المجتمع العربي.

من خلال بث مضادات إيجابية تؤثر على رفع مستوى الإبداع والابتكار وتمكن الأطفال من إطلاق وإدارة مشاريعهم الخاصة مبكرًا كنوع من التسلية المفيدة.

هل تتفقون مع ضرورة تعليم الأطفال ريادة الأعمال في سن مبكر؟ وهل تعتقدون أن مثل هذه المنهجية بوسعها تغيير النمط التفكيري السائد في مجتمعنا العربي المعتمد على الاتكالية؟