قمت مرّةً بإيصال صاحب الشركة الذي أعمل لديه إلى منزله، حيث كنا في اجتماعٍ متأخر وكان سائقه الخاص قد انتهى دوامه.

كانت المسافة طويلة التي أمامنا للوصول إلى المنزل، ولا أجمل منها فرصة لتعلّم درسٍ في الحياة من شخصٍ خاص فيها معارك شرسة من سفرٍ وتجارة وتأسيس شركات.

رميت له بأسألتي الفضولية وردّ علي بقصَ المغامرات وشاركني بعض النصائح "الخاصة" التي لا يخبرها لأيٍّ كان، وهذا من حسن حظي.

أخبرني كيف بدأ صغيراً في السوق يجول بين التجار يشتري من بعضهم ويبيع البعض الآخر دون أن يملك محلّاً تجارياً، فقط من خلال حقيبة يدٍ وقدمين.

وحدّثني عن الصعوبات التي واجهها والفرص التي سعى إليها دون أن تأتي إليه، وعن الوقت الذي كان يخصّصه لتعلّم اللغة الروسية التي لم يكن يتحدّث بها إلّا قلّةٌ في ذاك الوقت.

وأعطاني بعض مفاتيح حرفة التجارة، والتعامل مع الأشخاص، وزوّدني بمخزونٍ من الطموح الذي لا ينضب.

ولكم وددت لو يتقاطع طريقي مرّة أخرى بشخصٍ مثله، يملك من الخبرات الهائلة والحنكة التي جعلته من أهم رجال الأعمال في مجاله، ويملك من التواضع ما يجعلني أسمّيه "معلّم".

وفعلاً تقاطعت طرقي أكثر من مرّة بمعلّمين كثر، واستغربت من كثرتهم، هذه المرة صادفتهم على شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

تحت مسمّى "معلّم حياة" Life Coach يغدقون عليّ نصائحهم في الاستيقاظ باكراً، وممارسة التأمل قبل الذهاب إلى العمل.

كما ينصحوني أحياناً بشرب الشاي الأخضر لثلاث مرّاتٍ في اليوم، فهو مفيدٌ حسب قولهم، وأنا أعلم أنه مفيد دون الحاجة لمن يخبرني تلك المعلومة.

من الجيّد أن تجد من يقف بجانبك ويساعدك في تحديد أهدافك ووضع خططك المستقبلية، ويحثّك على المضي للأمام والسعي للنجاح.

وأتفاجأ أحياناً من أعمار هؤلاء المدرّبين، ومن مستوى تعليمهم. فهل من المنطقي أن أتعلّم من مدرّب حياة أنهى دراسته الجامعية السنة الماضية، ولا يزال يتصّفح موقع أمازون لشراء هاتفٍ محمول أو ساعة ذكية؟