لم أكن أظن أن الحزن قد يتجاوز كونه زائرًا يعبر الروح ليصبح أرضًا نقيم فيها، وسقفًا نحتمي تحته، ولغةً تسري في أعماق حديثنا. لم أكن أتصور أن الحزن يمكن أن يكون وطناً، لا نكتفي بالسكن فيه، بل نحمل هويته، ونتمثل ملامحه، حتى تصبح ملامحنا امتدادًا لوجعه وصمته العميق.

هناك حزن لا يشبه العابرين، لا يكتفي بأن يكون ظلاً مؤقتًا، بل يتجذر فينا كالأشجار العتيقة، يكبر معنا، يتحدث بلساننا، ينسج أيامنا بتؤدة، حتى نكاد ننسى كيف كان شكل الفرح، أو نغمة الضحك قبل أن يصبح الصمت لغتنا الأم. في هذا الوطن الرمادي، لا نبحث عن الخروج، لأننا نخشى أن نصبح بلا هوية، بلا انتماء، بلا ذاكرة.

لكن، أيكون الوطن شعورًا أم اختيارًا؟ وهل الحزن وطن حقًا، أم أنه المنفى الذي نمنحه أسماءً زائفة لنروضه داخلنا؟