فى غرفة مكيفة بمبنى شركة من شركات الأتصالات،تتراص الدفعة الجديدة من أفراد خدمة العملاء الجدد،حيث يتم تدريبهم بالمقر الرئيسى لشركة الإتصالات، ليتم توزيعهم على الفروع بعد تدريب أربعة عشر يوماً بالقاهرة.
فى مقدمة الغرفة تجلس الأستاذة هبة المدربة بشركة الأتصالات،أمامها مكتب خشبى صغير ،يشغل الماسح الضوئي معظمة.
أما الأستاذة هبة فهى شابة فى بداية عقدها الثالث،متوسطة الطول ،أقرب للبدانة.
تستشف من ملامحها الشدة في الطباع.
تقوم الأستاذة هبة بالشرح من خلال الماسح الضوئي تاره،والكتابة على السبورة البيضاء تارة أخرى.
بعد أنتهاء الشرح تقوم الأستاذة هبة بالسؤال ،والطلب من المتدرب
لمحاكاة عملية أقناع العميل بمنتج من المنتجات.
كان معظم المتدريب يصابون بالتلعثم بمجرد الوقوف أمام الأستاذة هبة،فهى فظة الطباع،لا تتورع عن إحراج المتدرب أمام زملائه .
فى زاوية الغرفة كنت أجلس ،مسندا ظهرى إلى الحائط ،أحاول أن أستجمع شتات تركيزى ،حتى لا أقع تحت براثن الأستاذة هبة،فهى تحسبها شريكة حياة وزوجة عشماوى مطلق الأرواح إلى بارئها.
كنت أحاول التركيز ،ولكن هيهات ،ولتشتتى هذا عدة أسباب منها ،عدم نومى بشكل كافي نظراً لتغير مكان نومى، فمحافظتى تبعد عن القاهرة بستة ساعات بالقطار ،ولذلك كان مبيتى بفندق بالقاهرة .
ومن أسباب تشتتى عدم الأنتظام بالطعام،وعدم أعتيادى على أكل المطاعم.
والسبب الأبرز لتشتتى كونى مريض بعصاب الوسواس القهرى ،الذى يجعل عملية التركيز بالنسبة إلى شئ صعب إلى حدا ما.
بدأت هبة بأختيار من تسأله بشكل عشوائي، حتى قادمة حظى العاثر أمامها ،طلبت منى الوقوف بمنتصف الغرفة ،والأجابة على أسألتها.
أنتصبت واقفاً ،وتوجهت لمنتصف الغرفة بتثاقل ،بدوت كمن يصعد لمنصة الإعدام شنقاً.
بدأت هبة بتوجيه الأسئلة ،وأنا أحاول أن أستجمع شتات أفكارى.
هبة: قلى إزاى تقنع عميل بنظام الفاملى بيزنس .
أنا:نظام الفاملى بيزنس................
طال صمتى ،وتبخرت أفكارى، وتجمد لسانى،فلم أعد أتذكر شئ.
بدأت هبه بسؤالى بحدة "أنت درجاتك فى إمتحان إمبارح كام ؟" .
كانت درجتى بالأمتحان السابق لا تتعدى منتصف الدرجة،لم أدرى ماذا أقول ،همست لها بصوت خافت حتى لا يسمع زملائي ما أقول" لو سمحت متحرجنيش ،أنا درجتى وحشة"، بدأت هبة بتكرار سؤالها بحده وكأنها لم تسمعنى،"أنا بقللك درجتك كام؟ ،أنت أسمك إيه؟"،بدأت تبحث عن ورقتى ،بادرتها قائلاً" درجتى ٨,٥ من٢٠".
نظرت هبة إلى بازدراء،وقالت بتهكم"مش مكسوف من درجتك دى،إتفضل أقعد".
رجعت إلى مجلسى بآخر الغرفة ،كنت أشعر بثقل داخلى ،إزداد مع نظرات الإشفاق من زملائي.
بدأت هبة بتوزيع أوراق إمتحان اليوم،لم أكد أستلم ورقتى ،وإكتب أسمى عليها،إلا وبادرتنى هبة قائله "أنت هات ورقتك وتعالة أقعد جنب المكتب بتاعى"، أصابنى قولها بالذهول ،فقد أجتزت المرحلة الإبتدائية مذ سنين ،حتى أعامل كالطالب البليد الغشاش.
إنتقلت لمكانى الجديد،مرت عليا هذه اللحظات الثقال كالسنين،شدة صدمتى جعلتنى أنسى تاريخ اليوم،ومن أين أبدأ.
لم أجد بد من أن أجمع أغراضى،وأترك ورقة الأمتحان فارغة،إلا من إسمى .
توجهت لباب الغرفة ،فبادرتنى المدربة بفظاظة"أنت رايح فين؟"،فرددت عليها"ماشى،الوظيفة دى مش لازمانى"،ردت المدربة بتهكم"مع ألف سلامة".
خرجت من الغرفة ،أغلقت الباب خلفى بشدة ،لتطوى صفحة أخرى من صفحات حياتي الوظيفة المتعثرة.
التعليقات