" على المرء أن يباعد الشقاق والنفاق ، ربما عليه الهروب عن مسبباته وأهمها اختلاطه بمن لا يليق به ومن لا يليق هو الآخر بهم ، عليه أن يكابر ليتقن فن الرد ب " لا " بدل " نعم " ، فليس كل سؤال يتحمل نفس الإجابة،نفس الشعور،نفس الرغبة، ونفس المزاج، فالعالم الخارجي قد لا يستحق أن يمكث أحدهم ليالٍ طوال يفكر كيف سيصلح علاقته بمن هم بالرحيل عن داره،عنه هو، كيف سيعيد بناء السور المنيع الذي تحطم واستطاع محبوبه الفرار عبره،العالم الخارجي لا يستحق ألا ينام أحدهم بسبب حروف متداخلة تجمعت في كلمات حطيطة،مؤلمة،موجعة تجعل من قلبه ينزف ولا ضماد له سوى الزمن والوقت الطويل جداً، الأفق الخارجي قد لا ينفك ان يحطم كبانك ويقطع الحبال التي عقدتها لتمنع نفسك وإن ألحت على الخروج والإنبثاق والتحرر! العالم الخارجي يستدركك هنا وهنا ليفرغ بطارية طاقتك ويستمد منك قوة ستترجل يوما ما لتطلبها من المسافرين المارة، على المرء أن يتلقى دروسا مجانية في فن الكتمان والتجاهل وعدم الإكتراث،على المرء أن يخلص لقلبه ، أن يراعي كينونته وتلك الأمورات الكثيرة التي تتلاطم في العمق مطالبة بحق الحكم الذاتي ، الأنانية تنفع في أوقات عديدة ، فالسويعات العديدة،والدقائق،والثواني التي قطتعها وأنت تحاول تسديد ضربة تخدم مصاحلهم قبل مصلحتك الشخصية،قد تعلن حربها ضدك ،وقد تنظم جيشا وأسطولا بريا وبحريا فقط لتشهد على لحضة استسلامك،فأنت لا تزال ذلك الجنين الذي يتكور ببطن أمه ولا يلبث دون أن يضرب ويلكم بطنها الطري مطالبا بوجبة دسمة تغطي جوعه الضخم،لا تزال صغيرا لا يفقه من الطيش شيئا،وان فقهت فلن تتعالى على فقه الخارج،فالظلام هنالك حالك والمكان مكهفر بالكامل، الجميع يتكهن اخطائك ويتخذ منها ضريعة ليطيح بك ويجر عنقك الى المقصلة ويسلم على روحك العفيفة والسليمة من خبث الأيام سلاما كبيرا ،يسلم عليها بفؤاد ماقت ومكيد ومخادع ..

بشاعة رؤية كل تلك الضوضاء وكل تلك الثقوب التي يتسلل منها جو مهيب،مخيف،مريع ،قد تزرع في نفسك شعور الإكتفاء ببعض الضروريات وتحمل قلبك القدرة على المقاومة وسلك سبل الوحدة المنطقية ، والتي لا مفر منها إلا اليها ، فهي الوحدة التي تقتنع فيها بضرورة التصالح من النفس والتغاضي عن كل أساليب الاغراء ، والتي دوما تكون نتيحة حاسمة لتجربة مريرة جعلت من الأيسري جريحا بلا ممرضة جميلة يطيب لها الخاطر وتأنس لها النفس ، فهون عليك أن تختلط فتمزج وتسحق وتدهن وتدلك خارج نطاقك ، داخل نطاق مفزع "