أثناء قراءتي لكتاب "اشتهاء العرب" لجوزيف مسعد والذي أعزم على كتابة ملخص له، وبعد أن أنهيت الفصل الثالث الذي يتحدث عن المثلية الجنسية، أثار ما تحدث عنه رغبة في نفسي للكتابة عن هذا الموضوع، والذي يختلف عن باقي المواضيع التي تناولت المثلية الجنسية على هذا الموقع، لذا لنبدأ.

المثلية الجنسية ظاهرة نكاد نجزم أن مختلف الحضارات قد عرفتها، ولكن لا نستطيع أن نقول ان كل الحضارات عرفتها كاليونانية مثلًا، ففكرة وجود نسبة ثابتة ممن يأتون الرجال شهوة دون النساء في كل المجتمعات في وجهة نظري فكرة مستبعدة قبل الالف الاولى قبل الميلاد، بعدها يمكننا الحديث عن وجودها في اغلب الحضارات التي نعرفها، أما في وجهة نظري المتواضعة فأنا متأكد من عدم ظهور المثلية الجنسية في بعض المجتمعات البدائية والتجمعات السكانية الصغيرة على طول تاريخها إلا لمحات بسيطة كل عدة أجيال، لعدم توافر عواملها بشكل عام، وعند الحديث عن العصور قبل التاريخية فمن الاستحالة الحديث عن هوية مثلية أو ممارسات جنسية مثلية بشكل ثابت عبر التاريخ.

إحدى الحجج التي تحتج بها الجمعيات الداعية للهوية المثالية العالمية -ويجب أن نفرق بينها وبين الجمعيات المدافعة عن حقوق المثليين وان اختلطا في أغلب الأحوال- هو وجود شريحة ثابتة من المثليين في كل التجمعات البشرية، وبناءً على هذه الفرضية تتجه للحديث باسمهم والدفاع عنهم في بلدانهم والدفاع عن كل مثلي مغلوب على أمره يعيش في دولة دكتاتورية -او هذه هي نظرة هذه الجمعيات لمثليي الأمم عداهم، وبالتالي بناء على هذه الشرعية التي أعطوها لأنفسهم ينشرون خطابهم التبشيري في كل بلدان العالم وسياساتهم المثلية ويهدفون لفرض هوية واحدة على المثليين جنسيًا من كل الثقافات والحضارات ومن ضمنها بلا شك بلداننا العربية.

بدأت هذه الجمعيات في الظهور ربما في ثمانينات القرن الماضي، مع منظمات ILGA و"الفاتحة" وغيرها من المنظمات التي استهدفت العرب المهاجرين والمستقرين في بلدانهم، أدت خطاباتهم التبشيرية التي توغلت كل النواحي إلى ردة فعل عنيفة من المحافظين شهدتها مصر مثلًا في حادثة "كوين بوت" وما تلاها من عنف من الدولة وأنظمتها ضد المثليين بشكل عام في مواجهة ما رأته "موجة إستعمارية غربية جديدة، المشكلة تكمن هنا فيما إذا جاء هذا الخطاب التبشيري بفائدة على مثليي العالم أم لا؟ وهل لهذا الخطاب داعي وله شرعية؟ وخصوصًا أنه فرض نفسه على العرب كالمستعمر دون طلب من العرب له، والسؤال الأهم: هل يعد هذا الخطاب إستعماري متعالي تربوي وفرض للثقافة الغربية أم أنه مجرد خطاب للدفاع عن مظلومين؟

في تاريخ العرب لم نعهد " هوية مثلية" حقيقية تفرض نفسها كمجموعة من مجموعات المجتمع، بالتأكيد نقرأ في الكتب عن اللوطيين والذين يبدون أنهم كانوا مثليين جنسيًا تمامًا، ولكن لم يكونوا بالمثلية التي تدعوا لها جماعات التبالإستعمار؟

من حيث تمثيل مجتمعي واعتراف عرفي وتقليدي وسياسات تقبل الزواج..إلخ، وفي عصرنا الحديث ومنذ أكثر من قرن -كما يتضح من كتابات سلامة موسى- فالمثليين جنسيًا كانوا متواجدين دائمًا كمجتمع خفي يرضي رغباته دون إحتكاك مع المجتمع أو فضائح إلا في حالات نادرة جدًا، وفي عصرنا هذا ومن حديثي مع عدد غير قليل من المثليين جنسيًا فما زال نفس الفكر مسيطرًا وهو الأغلبية من حيث وعيهم برغباتهم الجنسية وعدم إدراجهم لذواتهم داخل التصنيف الغربي، وخصوصًا أن عقلية أغلب المثليين جنسيًا تسيطر عليه عدة أوجه فكرية: إما عقلية المذنب والذي يرى ما يفعله خاطئًا ولكنه مغلوب على أمره، أو عقلية المتفتح وهو العكس تمامًا ويرى أن ما يفعله صائب مئة بالمئة، وعقلية التوفيقي وهو الذي يستطيع أن يفصل بين ممارساته الجنسية ومعتقداته الأخلاقية، وعقلية المتفتح هي أقل العقليات انتشارًا وهي العقلية التي يغذيها ذلك الخطاب التبشيري لتنمو وتكثر، وهو ما بدأ يجني ثماره في ظهور "مجتمع الميم" في مصر، وهو على عكس باقي المجتمعات التي ضمت مثليين جنسيًا في مصر -والتي بعضها يرجع للتسعينات وأقدم- التي ركزت على الجنس وتنسيق الممارسات الجنسية وتسهيلها على المثليين العرب - والاجانب أيضًا، كان هذا المجتمع ذو رؤية واضحة تهدف لاعتراف مجتمعي بهوية مثلية غربية عربية، وما تلا ذلك من سياسات ناتجة عن هذا الإعتراف، ويتضح لنا أن تلك الجماعات التبشيرية لها تأثير حقيقي.

السؤال هو: ما مدى شرعية هذه الجماعات؟ وما مدى أحقيتها في أن تفرض خطابات معينة للمثليين جنسيًا في العالم العربي؟ وفي ضوء قدرتها وسلطتها هل يجدر بنا أن نتركها تفرض ما تراه ونترك الأفكار الأخرى -وهي غالبًا أفكار ترفض المثلية تماما ولا توجد افكار عربية تقبل المثلية من ارضية عربية- تتنافس وليفز الأفضل؟ الأ تعد هذه منافسة غير عادلة أشبه بالإستعمار؟ هل لهذا الخطاب فوائد حقيقية للمثليين ؟ أم انه يجلب الألم والخراب عليهم مدة بحجة أنه ألم قليل لمنفعة أكبر في المستقبل بعدما يغير من تركيبة المجتمع ويفرض عليه أفكاره ونجاحه مؤكد في ظل الإمكانيات الحالية له؟

أعتقد أني هكذا قد أكون مررت على أغلب التوجهات الجنسية فلا حجة لكم علي وقد أوفيت بوعدي، خذوا نفسًا عميقًا واتركوه وأعيدوا التفكير بهدوء وتروي، ماذا ترون؟ آه ولمن عرفوني هذه الفترة فقط، لا تقلقوا فليست كل مقالاتي تتناول المواضيع الجنسية، هذه الفترة فقط فاعذروني.

مرسل من جهاز شاومي.