مررت بهذا المقال الذي نُشر قبل يومين من أحد الإخوة على الموقع:
وبما أنني مررت بالكثير جداً من التجارب المماثلة، قررت أن أتحدث عن الموضوع بإسهاب ومن نظرة موضوعية دون العاطفة.
أولاً دعني أعرفك بنفسي، أنا من مواليد السعودية، وبالتحديد من مدينة الرياض، نشأت وترعرعت وأكملت تعليمي حتى المتوسط في مدارسها الحكومية، ثم عدت إلى بلدي وأكملت الثانوية ثم الجامعة، وكنت أتردد على السعودية مرة أو مرتين خلال العام في فترات الإجازات، حيث تتواجد إسرتي هناك.
قررت الكتابة عن هذا الموضوع بسبب أنني أعتقد أنني مؤهل أكثر من أي شخص أن أكتب عنه، لأنني أعتقد أن أكثر ممن سيتحدث عن هذا الموضوع إما مقيم (أو أجنبي كما يسميهم البعض في السعودية) يشعر بحنق تجاه السعودية بسبب من عاملوه بسوء، أو سعودي يدافع بعمى عن السعوديين وعن كونهم ليسوا بعنصريين.
أما بالنسبة لي فلم أعش في السعودية في فترة مؤقتة، بل عشت (وما زلت أعيش فيها) حياتي كلها حتى الآن.
وعشت وزرت مناطق مختلفة منها، أعتقد حتى أغلب السعوديين لم يزرها (كما يخبرني البعض).
عاصرت عهد الملك فهد، ثم الملك عبد الله -رحمهما الله- ، وأعيش الآن فيها في عهد الملك سلمان حفظه الله.
ولدت في أحد أحياء مدينة الرياض في بداية التسعينات، حيث أكملت دراستي.
وحين أكملت دراستي الجامعية توظفت في إحدى الشركات هناك في حي مرموق جداً، بجانب (برج المملكة) لمن يعرف الرياض جيداً. ولمن لا يعرفها العم قوقل سيساعدك!.
لن أكذب بقولي أنني لم أواجه أنواع مختلفة من التفرقة العنصرية، بل واجهت الكثير جدددداً منها (مع الأسف).
وربما أهم أسباب العنصرية التي واجهتها كان بسبب لون بشرتي (السمراء).
أما عن العنصرية والتنمر والاعتداءات اللفظية والجسدية فحدث ولا حرج، حتى أنني لا أستطيع حصرها.
تعرضت للضرب (أكثر من مرة) من معلمين لأسباب عنصرية بحتة!
وكذلك قوبلت بكثير من الحب والاحترام من معلمين آخرين بسبب تفوقي الدراسي!
كنت في فصل لا يوجد فيه (أجنبي) واحد سواي، حتى وصلت الصف السادس الابتدائي!، وبذلك كل من صادقتهم أو كنت مقرباً منهم كانوا سعوديين!
كان أغلب من كانوا مقربين مني كانوا مقربين في السّر! .. نعم! لأن مصادقة أجنبي (أسمر اللون) وقتها كانت جريمة كبرى قد يعيبه عليها الآخرون ..
كنا نتزاور .. نتحدث مع بعضنا على الهاتف .. نساعد بعضنا في الدروس .. نتحدث مع بعضنا في فترة الاستراحة .. إلخ
ولكن كل ذلك كان على مضض أو مخوفة من الغير، لأنه ليس من الغريب أن يأتي أحد هؤلاء العنصريين (سيئي السمعة) ليتهكم على أحد أصدقائي هؤلاء بقوله: (هل تجلس مع هذا الأسود، العبد، الـ ....) .
ومع ذلك كله، لن أنسى معلم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية عندما أوقفني أمام الطلاب في الصف وقال لهم، أنا أتمنى أن جميعكم يكون مثل هذا الطالب (بإسمي). واستمر يتحدث عن أخلاقي وتربيتي وتفوقي الدراسي.
لن أنسى معلم مادة التوحيد (حسب ما أذكر) في المرحلة الابتدائية حينما ظهرت الشهادات (النتائج الفصلية) وكنت الأول على الصف، فخيرني أين تود الجلوس؟ (أي أين أريد مكان مقعدي في الصف) فحددت مكان معيناً فجاء وقام بحملي بيديه ثم وضعني في ذلك المكان وقال لي في لطف: هذا مكانك منذ اليوم.
لن أنسى مدرس مادة العلوم حينما فعلت خطأً فناداني في مكتبه بعيداً عن الطلاب ثم وبخني لوحدي وقال لي لا أود أن أوبخك أمام زملائك، فأنت طالب محترم عندي.
ولكن كل ما سبق من خير وشر قد مضى، وقد رفعت الأقلام وجفت الصحف.
وذهب كل منا إلى حياة مختلفة ..
قابلت بعض زملائي صدفة بعد ما يزيد عن 15 عاماً، وقد كان (كل) من كان متواضعاً مهذباً في أيام الدراسة يعمل في وظيفة مرموقة ومرتاحاً ولا يزال على حاله مهذباً، وقابلت أحد أكثر الطلاب وحشيةً واعتداء علي (بدون سبب) حتى أني أذكر أنه مرة ضربني ضرباً شديداً بسبب لوني! حيث كان يقول لي (إنت ليش أسود كذا؟) .. قابلته أمام متجر بقالة يقود سيارة متواضعة جداً .. بها الكثير من الصدمات .. بينما كانت سيارتي حديثة، ونظيفة، ومدللة .. صدفةً أوقفنا سيارتينا في نفس الوقت .. وصدفةً نزل كلانا من سيارته .. متوجهين نحو باب المتجر فوقعت عينانا على الآخر .. كان يرتدي ملابس متسخة .. حافي القدمين .. لا يلبس (طاقية) أو شماغ .. نظرنا إلى بعضنا البعض ملياً .. عرفني وعرفته .. ثم طأطأ رأسه نحو الأرض .. وأشحت أنا بنظري نحو باب المتجر .. وقلت في نفسي (الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير من خلقه تفضيلاً) .. لم يسلم عليّ خجلاً، ولم أسلم عليه أنفةً !!
وبعدها بعامين أو نحوها، انتقلت إلى مدينة جدة.
أهلها من أكثر السعوديين تودداً ولطافة مع الغير، وبالأصح أهالي المنطقة الغربية بالعموم. دمثي الأخلاق، طيبي المعشر، سمحي الطبع والطبيعة.
ولا أخفيكم سراً أنني طويت الماضي خلفي، ولا زلت أؤمن أن (عدد قليل فقط) من السعوديين هو العنصري البحت.
أما أكثرهم ففيهم خير، ومحترمين، واجتماعيين، ويحبون الآخر.
أما عن ما سبق، فقبل أن أحاول أن أوضح لك شيءً أود أن أقول أنني في صلحٍ تام مع ماضيّ، فلست مستاءً ولست حانقاً ولست غاضباً على أحد، وقد سامحت الجميع .. فاليوم أنا بفضل الله أعمل في وظيفة محترمة، ويعمل تحتي سعوديين وفوقي سعوديين، وجميعهم يحترمونني جداً وأحترمهم جداً، ولا يكاد يمر علي يوم إلا وقد عبر لي أحدهم عن احترامه لشخصي ..
وبالنسبة لما مضى، فهناك أسباب كثيرة تجعلني أقول بأنها ليست عنصرية (عامة) لدى الشعب السعودي، وذلك لما سيأتي ذكره:
1- لأن ما سبق كان في المرحلة الابتدائية، حيث كنا صبية صغار .. ليست بالضرورة أن هذا ما تربوا عليه في بيوتهم، فالأولاد يتعلموا كثيراً من بعضهم، وكذلك يجاملون بعضهم كثيراً... ولذا فإن الأقلية العنصرية من قليلي الأدب كانت هي المسيطرة وهي من كانت تقود التوجه العام بالنسبة للطلاب.
2- لأن السعودية تغيرت كثيراً، حيث أن الوجه العام للسعودية الذي كنت أعرفه في الماضي لم يعد موجوداً، هناك إنفتاح وتفهم ووعي وثقافة واااااضحة تظهر في كل جيل أكثر من الجيل الذي سبقه. وما عادت مسألة الاختلاف جريمة كما كانت تبدوا في السابق.
3- لأن الحي الذي كنت أعيش وأدرس فيه كان يغلب عليه العشوائية والهمجية، نعم فقد كانت تغلب عليه (عرقية) معينة لا أود ذكر اسمها احتراماً لمن ينتمون لها من الأعضاء معنا، ولكن هؤلاء الأشخاص (وقتها) كانوا هم الأكثر وحشية وهجومية وتهكم على الآخرين.
4- لأنني كنت متفوقاً أكاديمياً، نعم! فحتى في أفضل الأماكن في العالم قد تجد أن بعض الطلاب يشعرون بالغيرة تجاه الطلاب المتفوقين دائماً، والذين دائماً ما يجدون الحب والاحترام من المعلمين ومن أقرانهم. ولذا فإنهم يعالجون مشكلة النقص التي كانوا يشعرون بها بالاعتداء والإهانات اللفظية والجسدية.
أما عن سبب عدم ردي عليهم (خصوصاً على الاعتداءات اللفظية) لأنها حقيقة كانت كثيرة جداً لدرجة أني لم أكن آبه لها أبداً ما لم يصل الاعتداء إلى خطوط حمراء كانت لدي أو اعتداء جسدي.
أما عن اليوم يا صديقي فإنني لا يكاد يمر علي يوم إلا والتقيت بأحد أصدقائي السعوديين، أو اتصلت به، أو طلبني للخروج معه للجلوس على أحد المقاهي أو المطاعم.
تقريباً كل رحلاتي الترفيهية خارج السعودية وداخلها برفقة سعوديين.
تقريباً كل أنشطتي الرياضية والثقافية تتم برفقة أصدقاء سعوديين.
جميع أرباب عملي الذين عملت معهم حتى الآن (سعوديين بالطبع) وكانوا يحترموني بشدة أكثر من أي سعودي أو غير سعودي حتى!.
لا أذكر أبداً على الإطلاق منذ تخرجي من المتوسطة إلى يومنا هذا أنني واجهت أي فعل أو كلمة عنصرية بأي مناسبة وبأي طريقة. حتى في الخصومات والمشاكل يكون الأمر في حدود الخطأ ولا يتعداها للحدود الشخصية كاللون والجنسية وغيرها.
كما أنه سابقاً كان هناك خوف كبير من قبل (غير السعوديين) أنه إذا تم تقديم شكوى للجهات المختصة أنه لن ينظر لها طالما أنّ مقدمها (أجنبي) ضد سعودي.
هذا الأمر (لا أظنه كان حقيقة) ولكن على الأقل هو ليس موجود الآن على الإطلاق. بل سيتم إنصافك على أكمل وجه من قبل الجهات المختصة طالما وقعت البينة واتضح الأمر لهم.
وعلى الجانب الآخر، كذلك ليس كل المقيمين في السعودية صالحين، لنكن واقعيين، بل هنالك جنسيات بعينها يغلب عليها كثرة الجرائم، ومتمردة دائماً، تظن نفسها هي الأفضل، وهناك جنسيات معروفة أيضاً بالتلاعب والغش التجاري.
وشخصياً أفضل (دائماً) في تعاملاتي التجارية أن أتعامل مع سعودي عن غيره من الجنسيات، على الأقل أستطيع فهم لغته ولهجته وأسلوبه في البيع .
وقد تعرضت للبعض من محاولات الغش والاستغلال من قبل أشخاص ليسوا سعوديين، وبعضهم ليسوا عرباً حتى.
عموماً نصيحتي للمقيمين في السعودية:
1- لا تكن حساساً زيادة عن اللزوم، في كل مكان ستجد الصالح والطالح، في أقل الدول عنصرية وأكثرها تطبيقاً للقانون ستجد أفراد عنصريين وجهلاء. تجاهلهم وامضِ في شأنك.
2- دائماً تعامل مع السعوديين (وغيرهم كذلك) بحسن نية وتلقائية، حتى يتبين لك أنّ نواياهم عكس ذلك.
3- لا تفصل نفسك عن المجتمع، إذا كنت تعيش في السعودية فبالطبع ستواجه أهل البلد في موقف أو آخر، لا تحاول أن تتجنبهم (لحاجة في نفسك) وكذلك لا تحاول إعطائهم أكثر من حقهم (كإحترام أو تذلّل زائد، بعض الجنسيات تفعل ذلك!).
4- أنت تقابل الناس في حالاتهم المختلفة، خصوصاً إذا كنت تعمل في مجال يجبرك على مقابلة العامة، كبائع في متجر أو سائق، فبالطبع ستقابل من لديه مشكلة مع زوجته، ومن طرد من وظيفته للتو، ومن تعرض لعملية احتيال من أحد الأشخاص (من بنو جلدتك). فقد يكون تعامله معك وقتها حاداً نوعاً ما، لا تأخذ الأمور على محمل الجد أو بشكل شخصي، فقط أخلص له في عملك ولا تظلمه.
5- كل شخص يمثل نفسه. وأنت مسؤول عن المكان الذي تتواجد فيه، إذا كنت تتواجد في أماكن يغلب عليها الفساق ورديئي الطباع بالتأكيد ستجد أشخاص من هذه النوعية، وكذلك العكس إذا كنت في أماكن يتواجد فيها طيبي الطباع.
6- لكل مجتمع عيوب. عن نفسي زرت عدة دول عربية وغير عربية، وكدت أتعرض للاحتيال والغش في بعضها، وحتى في بلدي! فلا تتغنى كثيراً بكون (السعودية عنصرية) فقد تكون بلادك بها عيوب أسوأ من العنصرية نفسها. (هذا إذا اتفقنا فرضاً أن كل السعوديين عنصريين).
7- في السعودية قبائل ترفض أو تكره التعامل مع قبائل أخرى، وكلاهما سعوديون (أصل وفصل!) ولو أن الحكومة وكثير من المثقفين من الشعب يحاربون هذا الأمر بشدة ولكنه لا يزال موجوداً حتى لحظة كتابة هذا المقال، وكذلك هذا الأمر في تضاؤل كل يوم وهناك تحسن كبير جداً وما تزال الرحلة مستمرة.
8- أحياناً ارتدي الغترة أو الشماغ وأخرج به لغرضٍ ما، فأجد التعامل مختلف من الأجانب أنفسهم، فمثلاً عندما أدخل (بوفيه أو كافتيرياً) أجد أن العامل يتعامل معي بنوع من الريبة (كأنه يحاول أن يكتفي شرّي)، وهذا خطأ كبير!.
9- بالنسبة للسعوديين بالعكس!، فأحياناً أركب مع سائقي أوبر أو كريم (سعوديين) وأتحدث معهم فأجد منهم أحياناً جفاء أو تعامل حاد، فأخبره بأنني (فلاني) بجنسيتي، ولكنني متنكر بزيّ سعودي!، فيضحك ويبدأ بالحديث والانفتاح!
10- أسأل الله أن يرفع عن السعودية وسائر دولنا الإسلامية والعربية وأن يزيدنا عزة وتمكين.
كتبت هذا المقال ونيتي خيراً، فإن أصبت الحمد لله وحده، وإن أخطأت فلا تبخلوا عليّ بتوجيهاتكم مشكورين.
حبي وتقديري - إنسان مقيم في السعودية :)
التعليقات