أعتقد أن بعض السخرية في مجتمع ثقافة لا تضر، صحيح؟
تجديد خطاب ديني، تجديد نظام اقتصادي، تجديد النظام التعليمي، تجديد الدستور، تجديد القانون، تجديد المعمار، تجديد الفن، تجديد الموضة، تجديد ملابسك الداخلية، التجديد for ever!!
نظام "التجديد" لدى المجتمع العربي في الثلاث قرون السابقة أثبت فشله بإمتياز، فلم يتغير شيئ عن قبل أكثر من قرنين عندما ظهر المصلحون أمثال الأفغاني، وبدأوا ينادون بضرورة التحديث والتجديد للأنظمة العربية، وماذا فعلوا؟ نسخوا ما فعله الغرب!
أولًا كل تجديد تقريبًا تحدث عنه أحدهم منذ قرنين وحتى الآن كان عبارة عن إبدال وإحلال لنماذج نجحت في الغرب للنماذج التي لدينا حاليًا، وبالتأكيد فشلت هذه النماذج ولم تنجح لدينا، ولا يعرف المجددون حتى الآن ممن بهروا بالحضارة الغربية سبب فشلها، ولكنهم لم يراعوا أن نجاح النماذج الغربية كان سببه الثقافة الغربية وإختلاف الواقع الغربي عن الواقع العربي، فهم حتى لم يحاولوا الإقتباس بل أخذوها أخذًا بظاهرها الخارجي ونسخوها عندنا، دون الإهتمام لظروف نشأتها والأفكار التي نشأت عليها ومعناها لدى شعوبها الذين طوروها بأنفسهم، ويسمون هذا تجديدًا، أي إقتباس لنماذج الحضارات الأخرى سيبوء بالفشل طالما هو إقتباس لا يتلائم أولًا مع المجتمع العربي وواقعه، وثانيًا في حالة كونه إقتباس لظاهر النظرية وليس لباطنها، فيجب إقتباس الأفكار أولًا للتأكد من إمكانية قولبتها في المجتمعات العربية.
وبالتأكيد عند تطبيق هذا على النظريات الأجنبية التي حاول العرب تطبيقها على الواقع العربي وفشلت سنفهم سبب فشلها، فسبب فشل الإشتراكية أنها أخذت أخذًا من الشيوعيين دون إهتمام بعدم ملائمتها للعرب وواقعهم، ولم تؤخذ أفكارها بقدر ما أخذت مظاهرها، كانه تقليد أعمى، ونسخ القوانين الفرنسية ومحاولة تطبيقها على الدستور المصري لجعل مدة رئيس الجمهورية لا نهائية فشلت وأنتهت بثورة، لعدم مراعاة المجددين أن المجتمع المصري يختلف جذريًا عن المجتمع الفرنسي الذي لديه ديمقراطية حقيقية على عكس القمع في المجتمع المصري، وما شابه ذلك من إحلالات تحت مسمى "التجديد" جعلت الواقع العربي دائمًا في تنازع بين الإحلالات المختلفة، التي قد يتم تطبيقها وهي تختلف مع حقيقته ومع ذلك يتماشيان معًا.
الواقع العربي مثل أي واقع لأي شعب لا يمكنه التجديد إلا من أصله، إلا من نقده لنفسه وتفكيكه لأفكاره، ولكن الأفكار العربية وحقائق الواقع العربي مختفية دائمًا تحت غطاء "التجديدات" والإحلالات الغربية، فتجد الأنظمة المستبدة والشيوعية والإسلامية بزيادة، والتي تختلف مع الواقع العربي في جذوره، ربما من المسلم لدى أغلبنا أن التجديد العربي وقف عند نقطة معينة في التاريخ، ومنذ ذلك الوقت ونحن نعيد ونكرر ما أنتجه غيرنا، ولم نفكر في إعادة إستخلاص ما أنتجناه مسبقًا وتطويره، ربما كانت هذه النفطة هي القرن الخامس الهجري بالنسبة للدين، وربما بعد ذلك بعدة قرون بالنسبة للعلم، ربما وقفت الحياة السياسة بعد عصر الخلفاء الراشدين مباشرة، هذه النقاط التي وقف فيها الواقع العربي عن التجديد هي النقاط التي يجب علينا العودة إليها لفهمها، بما أننا فاشلون في فهم ما توصلت له الحضارات الغربية، فيجب علينا العودة لما نستطيع فهمه لأنه جزء من حضارتنا أصلًأ، وأن نأخذه بحيادية ونعيد نقده من البداية، متجاهلين ما توصل له السلف من قبل ومن فاز على من، ودارسين كل ظاهرة في إطارها التاريخي لنستطيع التوصل لأفكارها الباطنية واذا ما كانت ستفيدنا أم لا، ونأخذ بيد الطوائف المعزولة مثل المعتزلة، وندرك أن استمرار فكر طائفة ما لا يعني سوى فوزها، وبالتأكيد فوزها في الماضي لا يعني فوزها دائمًا، فهنالك أساليب كثيرة لتنتصر على خصمك حتى لو لم تملك الحقيقة.
توقف العقل العربي عند نقاط معينة بعيدة في التاريخ لم يكن مشكلة حتى عدة قرون مضت، في ذلك الوقت لم يكن العالم الغربي استطاع اللحاق بالعالم العربي، ولكن منذ ثلاثة قرون كان قد لحق بالعالم العربي بالكامل وتخطاه، أخذنا قرنًا على ما أستطعنا استيعاب ما حدث، وبدأنا في البحث عن حلول كمن يحاول تعلم السباحة وهو يغرق، فأخذنا نقلد من تعلموا السباحة من قبل، وبالتأكيد فشلنا لأننا نقلدهم تقليد أعمى ولا نعرف حتى لماذا وكيف يفعلون ذلك، وحاولنا استرجاع خبراتنا القديمة فلم نجد فيها شيئًا عن السباحة، أو وجدنا شيئًا عن السباحة في ماء البحر ونحن أصلًا نغرق في ماء النهر، ومن المعروف أن السباحة مختلفة من البحر للنهر وتحتاج مهارات مختلفة، فحاولنا نسخ ما يفعله الآخرون ولكن كما قلت سابقًا فشلنا، ولم نحاول سؤالهم لأنهم أصلًا منافسينا، ولم نحاول أن نطور أنفسنا بأنفسنا إنطلاقًا من مهاراتنا في السباحة في ماء البحر ولم نراقب أنفسنا وننقد ما نفعله نقدًا صحيحًا لأننا كنا نخاف من مدربنا الذي ينادي فينا في هيستريا لنسرع لنكسب السباق، فكانت ضربات ايدينا وأرجلنا في الماء بدون فائدة، ولم نحاول أن نندس تحت الماء ونرسل جواسيسنا لمنافسينا لنتعلم منهم السباحة في النهر لأنهم فقط منافسينا ولديهم مبادئ مختلفة عن مبادئنا، فلم نفعل شيئًا سوى الغرق، والإستمرار في الغرق لأكثر من ثلاثة قرون، على الرغم من أن الظروف الآن تغيرت، الآن العداء بيننا تم إخفائه ويمكننا الذهب إليهم والعودة دون أي مشاكل، وعلى الرغم من أن المدرب أختفى والضغوط علينا قلت ويمكننا التفكير بأريحية اكثر، وعلى الرغم من أن أصدقائنا استطاعوا تعلم السباحة في النهر ولكننا لم نتجرأ على سؤالهم لا أعرف لماذا، ولذلك سنستمر بالغرق طالما لم تكن لدينا الجرأة الكافية لفعل أي شيئ، طالما ليست لدينا الجرأة الكافية لكشف الوجه الحقيقي لواقعنا دون أقنعة تشوه الواقع وتجعلنا نحاول نعالج مشكلة غير موجودة أصلًا، فما ادراك أنك تحاول السباحة في النهر؟ ربما أنت تحاول السباحة في الصحراء أو في الرمال المتحركة أو في الهواء وأنت في حالة سقوط حر من فوق آلاف الكيلومترات، فهل ستستيقظ لتكتشف أنك في حالة سقوط حر وتفتح المظلة قبل أن تصل للأرض؟ أم ستستمر في الغرق حتى تموت غرقًا؟
التعليقات