بدأ الأمر كله مع ألفريد بينيه[1] وزميله ثيودور سيمون بتطويرهما لإختبار يسمى بقياس "العمر العقلي"، وهو نوع من الإختبارات كان مخصصًا للأطفال، وأراد بينيه فعلًا أن يساعد الأطفال عبر معرفة من بحاجة للمساعدة ومن عمره العقلي أقل من عمره الفعلي ليساعدوه في التعليم في فرنسا، بعدما جعلت فرنسا التعليم إجباري لكل طفل، ولكنه خشي أيضًا أن قياس "العمر العقلي" قد يضع تصنيفات عنصرية للأطفال مثل "متخلف عقليًا" و"عبقري"، وهذا ما حدث فعلًا على يد علماء النفس التطوريين [2]، في سنة 1912 أقترح العالم الألماني وليام ستيرن تطويرة بسيطة لقياس الذكاء فعليًا، ففي السابق كان الطفل يجيب على بضعة أسئلة تحدد عمره العقلي ونقارنه بعمره الحالي دون درجات أو ما شابه، ولكن مع هذه الطريقة الجديدة بقسمة عمره العقلي على عمره الحالي وضرب الناتج في مائة، ظهرت لنا أولى أشكال إختبار الذكاء التي ظلت مقتصرة على الأطفال، لأنه ببساطة لا يوجد فرق كبير بين ذكاء رجل في ال34 ورجل آخر في ال35 مثل الفرق بين ذكاء طفل في الرابعة وآخر في السادسة، ولكن الشكر يعود للعم سام، فبمساعدة من عالم النفس التطوري المنتمي لجماعة الداعيين لتحسين النسل، لويس تيرمان [3] أستطاعت الحكومة صنع وتطوير أول إختبار IQ شامل يصلح للبالغين، حيث أحتاجت الحكومة الأمريكية إلى طريقة لتقييم المجندين الذين شاركوا في الحرب العالمية الأولى والمهاجرين ممن لا يتحدثون الإنجليزية، وهنا ظهرت الحاجة إلى هذا الإختبار، بالتأكيد مر الإختبار منذ حينها بالعديد من التطورات وظهرت إختبارات كثيرة للذكاء مثل إختبار "ويشلر" والذي يعد اشهر اختبارات الذكاء في الولايات المتحدة، ويتميز عن إختبار ستانفورد-بينت -الذي تم تعديله عشرات المرات وهو الاختبار الذي أنشأه لويس تيرمان- في انه يلم كذلك بالجوانب غير اللفظية من الذكاء.
بالتأكيد لك أن تتخيل مكانة علم النفس التطوري وعلمائه لدى الحكومة الأمريكية منذ إختبار وليام ستيرن، وتابع ذلك المزيد من الإنفاق على علم النفس، وأيضًا تصاعد هوس الشعب والحكومة بمشروعات "تحسين النسل"، حيث أفترض بعض علماء النفس ان تناسل الأذكياء سينجب بالضرورة أطفال اذكياء بالفطرة، وهو أعتماد مبالغ فيه على الجينات، فهناك آلاف الأمور الأخرى التي تؤثر على الذكاء مثل البيئة والوالدين والتغذية السليمة وأحيانًا سماع الأطفال لموسيقى موتزارت.
بالتأكيد هذا الإهتمام الرهيب بمستويات الذكاء إنعكس على أفعال الحكومات التي كانت تعايش حالة حرب في ذلك الوقت -الحربين العالميتين- وبالتالي إنعكست على بعض التصرفات البشرية الوحشية:
التجربة الأمريكية [4]
لأمريكا تاريخ طويل من "التطهير" والإبادات الجماعية، بدءًا من جماعات الهنود الحمر التي أبادتها منذ وصول الإنجليز للعالم الجديد، وانتهاءً بإبادة الناس إعتمادً على مستوى IQ خاصتهم، واذا كانوا مصابين بأمراض عقلية مثل الشيزوفرينيا والإكتئاب، بدء الأمر مع إعلان السير فرانسيس غالتون توصله إلى سبب بقاء النبلاء البريطان في القمة دائمًا هو أنهم يملتكون جين "التفوق"، أتذكر هذا الجين الذي أتخذه الألمان شعارً لهم لاحقًا؟، حسنًا هذه الفكرة عن وجود جين التطور لدى الأوروبيين أشتعلت في المجتمع الأمريكي في أوائل القرن العشرين وأشتعلت معها صورة الإنسان المتفوق، وحسنًا.. حتى بعض العلماء السود مثل وافقوا على مثل هذه الفكرة معتبرين أن بعض السود لديهم أيضًا جين التفوق، وهذا أكبر دليل على ما يمكن أن يفعله التأثير الجمعي بك.
تلقت فكرة تحسين النسل الكثير من الدعم من شركات مثل مؤسسة كارنغي للعلوم، مؤسسة روكفلير ومؤسسة هاريمان للسكك الحديدية، وباستخدام هذه الأموال انشأ العالم تشارلز دَفنبورت مكتبة سجلات تحسين النسل (إيرو ERO) والذي أصبح احد أهم المنظمات الأمريكية في العشرينات، ومن ثم قام المكتب بجمع مجموعة من الأسر ليخلصوا إلى ان الأفراد غير الصالحيين جاءوا من خلفيات إجتماعية وإقتصادية سيئة، أي فقراء، وبدأ علماء النفس أمثال دفنبورت بإقتراح أمور للحد من إنتشارهم وتفسيدهم للنسل مثل منع الهجرة -لأن العمال المهاجرين يكونون فقراء عادة- والحجر والعزلة الإجتماعية وحتى الإبادة!
وكما توقعت انتشر تحسين النسل في المجتمع الأمريكي كالهشيم في النار، فتجد الجمعيات النسوية تشارك والحضانات وإدخال برامج تحسين النسل في المدارس، وكل هذا لتمهيد العقل الأمريكي لتقبل القادم، بدءت مجموعة من الولايات بتشريع التعقيم وفقًا لإجراءات تحسين النسل، فكانت أول ولاية نجحت في ذلك هي ولاية إنديانا في 1907 ثم واشنطن وكاليفورنيا في 1909، ورغم هذا التشريع إلا أن عمليات التعقيم لم تكن كثيرة إلا في كاليفورنيا، حيث قامت بأكثر من 20,000 حالة تعقيم، ولكن التعقيم فيها لا يقارن بالتعقيم في ولاية كارولينا الشمالية، حيث كانوا يقومون بتعقيم من يحصل على أقل من 70 في إختبار معدل الذكاء!! -مع أن معدل أكبر من 50 كاف لعيش حياة طبيعية-، أضف لذلك انها كانت تعطي للشعب الإمكانية ليختاروا من سيقومون بتعقيمه!، وفي النهاية تأقلم الفقراء مع الوضع الحالي وقبلوا بالتعقيم.
وتم إنشاء رابطة تقييد الهجرة الجماعية، التي نجحت في كثير من الأحيان بمنع المهاجرين من الدخول للولايات المتحدة، او حصرهم أو تعقيمهم قسرًا، وأيضًا فتحت فكرة "عدم الاختلاط العرقي" الباب أمام السماح بزواج الأقارب، والعقاب القانوني على إختلاط الأجناس.
تم تعقيم ما يزيد عن 60 ألف شخص بين عامي 1907:1963، حيث كان يتم تعقيم الرجال للقضاء على سلوكهم الإجرامي والعنف، والنساء للتحكم في حياتهن الجنسية، وكتب إدوين بلاك أن أحد الطرق المتوقعة حينها هي القتل الرحيم عن طريق غرف الغاز الجماعية -أيذكركم هذا بأحدهم؟-، وهي طريقة واحدة من 18 طريقة أخرى للتخلص من "الأنواع الدنيا الغير مرغوب فيها"
التجربة الألمانية النازية[5]
بعد أن استولى أدولف هتلر على مقاليد الحكم تمامًا، أصدر قوانينه بمنع تناسل الأشخاص المرضى بأمراض وراثية، نشأ نتيجته أكثر من 200 مكتب لتحسين النسل، وأصدر هتلر أوامره بأن يبلغ اي طبيب عن أي حالة من الحالات هذه ليتم تعقيمها وإلا يتم تغريمه بمبالغ طائلة، ومنها:
أي معاقين عقليا، أو وصفوا بمرض عقلي (بما في ذلك الفصام والاكتئاب الهوس)، والصرع، والمكفوفين، والصم، والمشوهين جسديًا.
تم تعقيم أكثر من 600 ألف شخص أثناء الحرب العالمية الثانية، وأكثر من 400 ألف شخص بعد إنتهاء الحرب تنفيذًا لقوانين تحسين النسل، أضف لذلك المذابح التي مات فيها أكثر من 700 ألف شخص المستوحاة من برامج القتل الرحيم مثل "غرفة الغاز".
بالتأكيد لم تكن ألمانيا والولايات المتحدة وحيدين في هذا الأمر، فالتطهير أو التعقيم أو "تحسين النسل" كان منتشرًا أيضًا في الصين واليابان وروسيا والكثير من الدول الكبرى، الهدف من الموضوع أن أعرض لك النعمة التي تعيشها، فيجب أن تحمد الله على أنه لن يتجرأ أحد على تعقيمك -إخصائك- بناءً على نتائجك في إختبار IQ سخيف.
[1]
https://ar.wikipedia.org/wi...[2]
https://ar.wikipedia.org/wi...[3]
https://ar.wikipedia.org/wi...[4]
https://en.wikipedia.org/wi...[5]
https://en.wikipedia.org/wi...
التعليقات