أتفهم منذ فترة طويلة ميل البشر لفكرة الإنشاءات العملاقة .. هذا ليس ظاهرة أمريكية ، بقدر ما هي ظاهرة بشرية إنسـانية مطلقة ..

فكرة ناطحات السحاب ليست حديثة اطلاقاً .. هي فكرة قديمة قدم الدهر .. استحوذت عليها مصر آلاف السنين بهـرم خوفـو الاكبر الذي كان يعد أطول بناء على الإطلاق ..

كما انها سائدة في العديد من أدبيات الامم ، والأديان .. ربما أشهرها قول فرعون ( ياهامان ابنِ لي صرحاً لعلّي أبلغ الأسباب ، أسباب السمـاوات فأطلع الى إله موسى ) ..

كما أنها كانت فكـرة سائدة في كتب القدماء في حضارات مختلفة .. خذها قاعدة : البناء الأطول ( له قدسية أكثر من غيره )..

======

منذ ان هلّ القرن العشرين ، وتمكّن المعماريين من التوصل لمعادلة بنائية تسمح لهم بإرتفاع البنايات لمسافات قياسية ، عن طريق دعم القواعد بالفولاذ .. صارت ناطحات السحاب مقياساً لمدى ( تحضّر المدن ) أكثر من أي شيء آخر ..

بدأت الصرعة في أمريكا ، ثم انتقلت بشكل جزئي الى اوروبا ، ثم انتقلت بشكـل ظاهري جداً الى آسيا ( هونغ كونغ ، الصين ، اليابان ، إلخ ) ..

ولكنها - معظمها - كانت لأغراض التمدد الرأسي في الأبنية ، بدلاً من التمدد الأفقي لضيق المساحة .. ناطحات السحاب في اليابان ضرورية للغاية لان المساحات ضيقة .. في هونغ كونغ أيضاً .. وحتى في الولايات المتحدة في المدن الكبرى التي يصل لها عدد هائل من المهاجرين والوافدين..

لكن في الدول العربية ( الخليجية تحديداً طبعاً ) ، ناطحات السحاب تمثّـل لغزاً ربما لا أفهمه حتى الآن ، كلما قرأت عنه ..

======

في الخليج ، منذ إنشاء برج خليفة الضخم ، جاء اعلان السعودية عن برج المملكة الذي سينتهي في العام 2018 في مدينة جدة والذي سيكون أطول ناطحة سحاب في الكرة الأرضية ..

 ثم تم الإعلان مؤخراً في الكويت عن عزمها لإنشـاء برج أطول من كلا البرجين ( خليفة ، والمملكة ) .. بحيث يكون هو أطول ناطحة سحاب في العالم أيضاً ..

 تشعر أن الموضوع ليس الهدف من وراءه ( لماذا سنبني هذا البناء أصلاً ) .. بقدر ما الهدف من وراءه أننا نحتل اسماً في قائمة ناطحات السحاب العالمية .. سباق على الطول ..

بدأت أشعر أن ( ثقافة ) ناطحات السحاب في دول الخليج أخذت طابع أقرب الى :

فلنبنِ ناطحة سحاب تحتل مكانتها العالمية كأطول مبنى في العالم .. ثم نفكّــر لاحقاً في ماهيّـة هذا البناء والغرض منه أصلاً ..

سؤالي :

  • هل هذه الناطحات السحابية لها قيمة إسكـانية ؟ ( قرأت مرة أن العديد من ناطحات السحاب في الإمارات وقطر تعاني من خلوّها من المستأجرين ) ..

  • هل تحمل قيمة تجارية ؟ .. او حتى قيمة دعائية ؟ ( لا أعتقد ان لندن وبرلين وباريس تعتمد على ناطحات السحاب في الدعاية الاستثمارية لها )

  • أم أنها مجرّد تفريغ لتوجه رأسمالي - معروف تاريخياً - بسعى من يملك المال والقوة الى تشييد بناءات عملاقة ، طالما لديه الإمكانية في ذلك .. بغض النظر عن الحاجة إليها بالفعل ؟

السؤال استفساري وليس استنكاري .. ربما أنا لست على علم بالجدوى الحقيقية من وراء هذه الناطحات ( بعيداً عن السياحة والتفاخر بمشهد الناطحات العملاقة ) ؟