( 1 )
هذا السؤال - رغم بساطته وتكراره كثيراً في أدبيات الناس - ، إلا انه يعتبر واحداً من أهم الاسئلة الوجودية التي إذا توقفت عندها قليلاً بالفحص والدرس ( والحيـاد ) ، أزعــم أنك سوف تتغير تماماً بعدها ..
سؤال ، البحث عن إجابة له ستجعلك - تلقائياً - أكثر تسامحاً مع الغير .. تقبلاً للآخر .. فهما للواقع ، والوجود ، والحيـاة .. متفهمـاً للتنوع ..
والاهم ، أنك ستتخلى عن فكـرة انك محور الكون كله ، وأن بقية البشـر مجرد أثاث يزيّن الوجود من أجلك ..
=========
( 2 )
اسأل نفسك هذه الأسئلة العشوائية :
هل اختـرت أن تكون مغربيـاً ؟ .. يعني ، وأنت تغادر بطن أمك الى الحيـاة ، هل طلبت منها أن تكون مغربيـاً ؟
هل اخترت ان تكون أبيض البشرة ؟ .. أو اسمر البشرة ؟
هل اخترت أن تكون ثرياً ، تنتمى لعائلة ثرية .. او ابن أميــر من أمراء الخليج ؟ .. او ابن عامل ريفي بسيط في احدى قرى مصـر ؟
هل اخترت أن تتحدث العربية ، ام أن مولدك في اسرة عربية جعلك عربيـاً بشكل تلقائي ؟
هل اخترت ان تكون مسلماً / مسيحيـاً / يهوديـاً / بوذياً / كونفشيوسيّــاً ؟ .. ام أن مجيئك للدنيا تنتمي لأسرة مسلمة أو مسيحية او يهودية أو بوذية ، هو الذي جعلك تتبع هذا الدين ( إلا لو كنت مفكّــراً اعتنق دينه بناءً على فكـر ووعي ، )..
هل اخترت ان تكون جينـاتك حاملة لمرض السكّــري ، او مرض الإكتئاب المزمن ؟
هل اخترت أن تولد القـاهرة ؟ .. بينمـا غيرك ، ولد في نفس اللحظة في أحراش الكونغـــو أو الـ Down Town بمدينة بانكـوك ؟
هل اخترت ان يكون شعرك ناعمـاً منسدلاً ، بينمـا اختار غيــرك أن يصاب بالصلع وهو في السادسة عشر من عمره ؟
هل اخترت ان تكون صحيح الجسد ممشوق القوام ، بينمـا غيرك يعاني من سمنة وراثيـة أو ضمور في العضلات ؟
هل اخترت أن تنتمى لأسرة متفتحة تقدّس الكتاب والقراءة ، بينما اختار غيرك ان يولد لأسرة أمّيــة يعتبـر الأب والأم فيها الكتاب شيئاً كريهاً مخيفاً ، فاستمر هكذا ؟
=======
( 3 )
تسعون في المـائة من واقعنــا ، ليس من اختيـارنا .. ومع ذلك ، نصمم أن نفتخــر بالقبلية ، والجنسية ، واللغة ، والدين ، والبشرة ، والثقـافة .. ونعتبــر أننا الأسمى ، والأعــز نفــراً ..
رغم بساطة هذه المعلومة ، إلا أن الحيـاة علمتني بشكل مباشر ان البشر لا يلقون لها بالاً .. الكــل عنصري .. الكــل يتعامل بإعتبــار انه المحظوظ ، العبقري ، الذي على حق دائم .. بينما الآخر إمــا أحمق أخــرق ، أو - وهذا أضعف الإيمـان - لا قيمة لوجوده أصلاً ..
الفخــر بشيء لم تختره ولم تتدخل فيه نهائياً ..
لو تأملت هذا المعنى قليلاً ، ستشعـر بمدى الحمـاقة التي يعيش فيها اغلب اهل الأرض .. وهي السبب في نشأة كل الحروب تقريباً ، سواءً بين القبائل أو الشعوب او حتى الطوائف الدينية المختلفة ..
========
( 4 )
في سياق حوارات العقـلاء ، الفخــر لا يكون إلا لشيء قد قمت أنت بتحقيقــه .. إنمـا تفخر بشيء ، وتعتز به جداً ، رغم انه لم يكن لك أي يد فيه ، فهذه قمة الحماقة ..
ولكن ، في المقـابل .. لا بأس بأن تكون ( سعيداً ) بشيء ما في حياتك ، جئت لتجده متوافراً لك .. ولكن لا تفخر به أبداً ..
من الممكن ان تكون سعيداً بأنك وسيم الخلقة .. ولكن أن تفخــر بهذه الوسامة ، وتتعالى على غيرك .. قمة الحماقة .. لأنك لم تختر ان تكون وسيماً ، ولم يختر غيـرك ان يكون قبيحاً ..
من الممكن ان تكون سعيداً بأنك تنتمى لدين معيّن .. ولكن أن تتعامل مع خلق الله بإعتبارهم حيوانات أو أثاث للديكور ، أو أنهم أعداء يستحل قتلهم ، وأنك الأعلى منهم مرتبة وشرفاً ، وتتعالى عليهم .. قمة الحماقة ( مضاعفة )..
من الممكن ان تكون سعيداً بأنك تنتمى لبلد معين .. ولكن ان تتعامل مع الـ 180 دولة الأخرى في العالم بإعتبـارها تسبّح بحمد بلدك ، وتُذهل بعظمتها ، وحضـارتها ، وقوتها .. فهي قمة الحماقة ( مضاعفة مضروبة في 10 أضعاف )..
من الممكن ان تكون سعيداً لكونك ثرياً .. قوياً .. صحيحاً .. مؤمناً .. رياضيـاً .. ذكيــاً .. عراقياً أو سعودياً أو أرجنتينيـاً أو تنتمى لقبيلــة ( الماساي ) الأفريقية ..
لا بأس أن تكون سعيداً بهذه الصفـات التي جئت الى الحيـاة تمتلكها .. ولكن هذا لا يعني ان ( تفخر ) بها .. لأن الفخــر ، تلقائياً سيجعلك تنظـر للآخر نظـرة غير صحيحة ..
===========
( 5 )
هذا المعنى وجدته أفضـل ما يكون ، وبطريقة مرحــة - كعادته - في إحدى حلقـات الستاند أب كوميدي الأخيــرة للكوميديان العبقــري ( جورج كارلين ) .. ركّــز فيها على استعراض الفرق بين الفخـر والسعادة ، وضرورة التفرقة بينهمـا .. الأول يؤدي الى هلاك محقق ، والثـاني يؤدي الى شكـر النعمــة وتقديرها ..
على المستوى الشخصي ، كان لي تجارب شخصية كثيرة في حياتي بين الفخر والسعادة .. اكتشفت فى نهايتها أن كل ما كنت افخـر به هو أمر واهي هزيل لا يستحق الفخـر .. وكل ما كنت اعتبـره عادياً لا قيمة له ، يعتبــر مصدر سعادة حقيقيـة ..
إذا كنت تعيش هذه المرحلة ، فقط حاول أن تراجع نفسك ، وامنح الإنسـانية بداخلك بعض المساحة لتتأمل هذه المعاني .. وستجد ان الحيـاة أصبحت أكثر رحابة فوق ما تتخيل :)
التعليقات