"يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك، ثم يقولون هذا أنت." ليست مجرد عبارة، بل وصف دقيق لآلية اجتماعية متكررة: يصنعون الوحش، يطلقونه، ثم يتظاهرون بالصدمة من وجوده.
في عالمنا العربي، لا يُكتفى بتجاهلك، بل يُستفز صبرك، يُستنزف هدوءك، يُحرّض غضبك، ثم تُدان على رد فعلك. كأنك مطالب بأن تكون قديسًا في وجه القذارة، وأن تبتسم لمن يطعنك، وأن تعتذر حين تصرخ من الألم.
الاستفزاز ليس عشوائيًا، بل منهجي:
- في الأسرة: يُضغط عليك نفسيًا، تُحمّل فوق طاقتك، ثم حين تنهار، يقولون "أنت دائمًا حساس ومزعج."
- في العمل: يُستغل وقتك، تُهان كرامتك، ثم حين ترد، يقولون "أنت لا تعرف كيف تتعامل باحتراف."
- في العلاقات: يُمارس عليك التجاهل، التلاعب، الإهانة، ثم حين تغضب، يقولون "أنت سامّ وعدواني."
هم لا يرون ما فعلوه، بل يسلطون الضوء فقط على رد فعلك. كأنهم يسكبون البنزين، يشعلون النار، ثم يلومونك لأنك احترقت.
الاستفزاز ليس فقط لإخراج أسوأ ما فيك، بل لإسقاط ما فيهم عليك. هم لا يحتملون رؤية قبحهم، فيدفعونك لتجسيده، ثم يقولون: "انظر، هذا أنت." لكن الحقيقة؟ هذا ليس أنت، بل انعكاسهم في مرآتك.
المجتمع لا يحاكم الفعل، بل يحاكم الصوت الأعلى. من يصرخ يُدان، ومن يبتسم يُصفق له، حتى لو كان هو من بدأ الجريمة. الهدوء يُكافأ، والغضب يُجرّم، بغض النظر عن السياق.
وهنا تكمن السخرية: أنت مطالب بأن تكون ملاكًا في جحيم، وأن تحافظ على "الصورة" حتى لو تمزقت روحك.
حين يستفزونك، لا يريدون فقط أن يروك غاضبًا، بل يريدون أن يُثبتوا روايتهم عنك. يريدون أن يقولوا: "كنا على حق، هو سيئ، انظروا إليه." لكن الحقيقة؟ أنت لست رد فعلك، بل ما كنت قبل أن يُستفز إنسانك.
لا تسمح لهم أن يكتبوا قصتك من زاوية واحدة. ولا تعتذر عن إنسانيتك حين تُدفع إلى حافتها.
التعليقات