يُعدّ مصطلح "الضلال" من المصطلحات المستهلكة في هذه الأيام، حيث يطلقه كل فريق على خصمه بهدف شيطنته وإبعاد الناس عنه، وقد حوّله هذا الاستخدام مع مرور الوقت إلى سلاح فكري ولفظي يُستغل لأغراض سياسية.
لكنّ حقيقة هذا المفهوم بعيدة كل البعد عن الصراعات الفكرية والعقائدية، لأن معناه الأصلي يتعلق بالنفوس البشرية، ولا يمكن قياسه أو تجربته ومع ذلك يمكن ملاحظته في سلوك الأفراد ومعتقداتهم، سواء كانوا أسوياء "فكرياً" أم لا.
الضلال هو الخروج عن المنهج الصحيح
الضلال هو الخروج عن المنهج الصحيح في الفهم والتطبيق، والجنوح إلى الشهوات والمعتقدات الخاصة والانحيازات النفسية، النابعة من التربية والتجارب الشخصية.
إذا لم يتمكن الإنسان من الفصل بين رغباته وأفكاره، يختل التوازن النفسي لديه، وتتلوث مناهجه الفكرية برغباته ومكبوتاته، ويظهر هذا في صورة العالم الذي يجري تجارب غير أخلاقية بدون أي إجراءات احترازية، للوصول إلى هدف محدد مسبقًا في عقله.
الفارق الجوهري بين الباحث عن الحق والواقع في الضلال
هنا يكمن الفارق الجوهري بين الباحث عن الحق والواقع في الضلال:
* الواقع في الضلال: يحدد النتيجة مسبقًا قبل أن يبدأ التجربة، ويأمل في أن تطابق النتائج توقعاته، فإن خالفتها، يتلاعب بالتجربة والدليل لكي يحاكي تصوراته.
* الباحث عن الحق: يدخل التجربة بلا توقعات مسبقة، ويعتمد النتائج التي تظهر منها بدون تلاعب، لأنه ليست لديه رغبات خاصة أو أهداف مُضمرة.
أمثلة من تجليات الضلال في الحياة المعاصرة
من أمثلة الضلال في الواقع:
- تلاعب شركات الأدوية بالأبحاث والتجارب لإثبات فاعلية دواء غير فعال من أجل تحقيق أرباح.
- تلاعب إعلاميين وصحفيين بأخبار معينة وبيانات تخص موضوعًا محددًا من أجل تعزيز فكرة مغلوطة في أذهان الناس.
- مدعو العلوم المزيفة الذين ينشرون الجهل في ثوب المعرفة، ويقنعون الناس بأشياء غير أخلاقية بمبرر العلم أو الدين.
- مدعو القدرات الخارقة والسحرية الذين يدّعون لأنفسهم قدرات غير عادية.
- إثارة الشائعات والتلاعب ببيانات السوق لضرب أسعار أسهم أو أصول مالية معينة.
وغيرها الكثير من الأمثلة التي تعبر عن ضلال أصحابها عن طريق الحق، ولا يُشترط سوء النية في هذا الأمر، فقد يكون الضلال عن قناعة ذاتية بالأحقية، بل وقد يعتبرون أنفسهم مُجددين.
الضلال والتلاعب بالمنهجية السليمة
لذلك يجب أن نفهم أن اتباع طريق الحق يكون من خلال الرضا بالنتيجة الحقيقية للتجربة، سواء كانت في صف الباحث أو ضده، وهذا يعني تقبّل الخسائر في حالة كانت نتائج التجربة لا تصب في مصلحته.
إذًا يمكن أن نستنبط أن الضلال هو التلاعب بالمنهجية السليمة لتعزيز نتيجة معينة للتجربة، تجنبًا للخسارة بغض النظر عن العواقب ومدى أخلاقية العمل.
ومن هنا يظهر لنا أن التفكير بالعقل المجرد ليس السبيل الوحيد للحق، لأن عقل الإنسان قد يشوبه الضلال وقد تفتنه الدنيا، فيتلاعب بالكلام ليظهر في ثوب المنتصر، وما هو إلا ضال محتال يريد أن يحقق مصلحة خاصة ورغبة نفسية.
التعليقات