يُقال إن الأسرة هي نواة المجتمع، وإن المرأة، بقربها من أطفالها وشريك حياتها، تزرع التوازن وتمنح البيت روحه ودفأه. كثير من النساء يجدن هويتهن في هذا الدور النبيل، لأن هناك شعورًا فطريًا يربط الأمومة بالانتماء، والبيت بالهوية. إن بناء بيت تُرويه بالحب، وتُؤسسه على الحوار، وتُربي فيه أبناءً يعرفون ذواتهم ويحترمون غيرهم، هو مهمة لا تقل قُدسية عن أي إنجاز أكاديمي أو مهني.
كثيرا من النساء يعتبرن أن بناء بيت آمن، وتربية أبناء متزنين، هو بحد ذاته رسالة سامية لا تقل شأنًا عن أي إنجاز علمي أو عملي ، و هذا الدور، على بساطته الظاهرية، يتطلب وعيًا، وحكمة، واتساعًا داخليًا. أن تبني الإنسان من الداخل، تُشكّل وجدانه، وترافق تشكّله النفسي ، امرا ليس هينا بل مسؤولية كبيرة على عاتق كل ربة بيت ، و من جهة أخرى، تطمح كثير من النساء إلى بناء مسار مهني يُعبّر عن طموحاتهن، ويُجسّد شغفهن، ويمنحهن شعورًا بالتحقق خارج حدود البيت. فالرغبة في العمل ليست دائمًا مدفوعة بالحاجة المادية، بل تنبع في كثير من الأحيان من توقٍ داخلي للاستقلال، والنمو، والمساهمة الفعالة في المجتمع.
العمل بالنسبة للمرأة هو مساحة تُفجّر فيها طاقاتها، وتُعبّر من خلالها عن قدراتها، وتُثبت وجودها ككائن فاعل، لا تابع. من خلال عملها، تكتشف ذاتها من زوايا جديدة، وتتعلم، وتتطوّر، وتتصل بعالم أوسع من دائرة الأسرة ، كما ان العمل يُعطي المرأة شعورًا بالجدوى، إذ هويُعبّر عن طاقاتها الكامنة، ويمنحها موقعًا في المجتمع لا يستند فقط إلى أدوارها العائلية. فتشعر بالإسهام في بناء المجتمع بعقلها وكفاءتها وإنسانيتها.
فهل يمكن للمرأة أن تنجح في الجمع بين الدورين؟
في الحقيقة، لا توجد إجابة واحدة تصلح للجميع. تختلف الظروف، وتتباين الخيارات، لكن ما هو مؤكد أن المرأة حين تضطر إلى إلغاء ذاتها تمامًا من أجل الآخرين، تبدأ شيئًا فشيئًا بفقدان طاقتها، ورضاها، وإشراقها. كما أن السعي الحثيث نحو تحقيق الذات على حساب الأسرة قد يجعلها لاحقًا تواجه فراغًا عاطفيًا أو شعورًا بالذنب...
فأين تكمن الأولوية فعلاً؟ هل في التفرغ للأسرة وتربية الأبناء؟ أم في تحقيق الذات خارج حدود البيت؟
وكيف يمكن للمرأة أن تختار أولويتها، في عصرٍ يَشدّها في كل الاتجاهات، ويطلب منها الكمال و ألا تُقصّر في أي دور؟
التعليقات