يتساءل الإنسان منذ القدم عن مدى حريته في اتخاذ قراراته، وعن العلاقة بين إرادته الشخصية وقدرة الخالق المطلقة. هل نحن مخيرون تمامًا أم مسيرون بالكامل؟ أم أن الحقيقة تكمن في مزيج بين الاثنين؟
إذا اعتبرنا الزمن نفسه مخلوقًا، فإن هذا يقودنا إلى تصور ميتافيزيقي يجعل الخالق خارج نطاق الزمن وقادرًا على الإحاطة بكل أبعاده – الماضي، الحاضر، والمستقبل – في وقت واحد. من هذا المنظور، يكون الخالق كمن يشاهد فيلمًا مكتملًا. يمكنه رؤية كل الأحداث منذ بدايتها حتى نهايتها، لكنه ليس محدودًا بخط الزمن كما نحن.
لنفهم الفكرة بشكل أفضل، يمكننا تشبيه الأمر بمخرج يعمل على مونتاج فيلم. عند إنشاء الفيلم، يكون المخرج قد شاهد جميع أحداثه وقرر ترتيبها بطريقة معينة. ومع ذلك، لديه القدرة على إدخال تعديلات أثناء عملية المونتاج لتحسين القصة أو تحقيق رؤية فنية أعمق. هذه التعديلات قد تعكس قيمًا مثل العدالة أو التوازن.
على أرض الواقع، يمكن أن يُنظر إلى تدخلات الخالق بهذه الطريقة. الإنسان يعيش داخل الزمن ويختار أفعاله بحرية بناءً على معرفته وظروفه. لكن الخالق، بقدرته المطلقة، يمكن أن يُدخل عناصر في حياة الإنسان لتحقيق أهداف سامية دون أن تُنكر حرية اختياره.
هذا التصور يجعل الإنسان مسؤولًا عن اختياراته وأفعاله داخل إطار حياته. في الوقت نفسه، لا ينفي ذلك قدرة الخالق على التسيير أو التعديل لضمان تحقيق العدالة أو الغايات الكبرى. هنا تكمن حكمة إلهية عظيمة: منح الإنسان الحرية ضمن نظام محكم يشمل التدخل الإلهي عند الحاجة.
الفهم المتوازن للعلاقة بين الإرادة البشرية وقدرة الخالق يمكن أن يُرى في مزيج متناغم بين حرية الإنسان في اتخاذ القرارات، وبين تدخل الخالق بحكمته لتحقيق الخير والعدالة. الزمن، كونه مخلوقًا، يضعنا في إطار محدود، بينما الخالق فوق هذا الإطار، قادر على رؤية الصورة الكاملة وتوجيهها بما يخدم غايته العظمى.
التعليقات