تتشكل المواطنة التي تدفع الفرد دائماً نحو العطاء والبذل والتضحية في سبيل نهضة الجماعة التي ينتمي اليها في المجتمعات الانسانية قديماً وحديثاً من ركيزة ومتطلب أساسي هو الانتماء، ولبناء أي وطن، يلعب دور المواطنة الفعّالة الاثر الحاسم في تحقيق الاستقرار والتقدم. فالمواطنة ليست مجرد مسألة قانونية تقتصر على حقوق وواجبات، بل هي نهج حياتي يتطلب التزامًا مستمرًا بقيم العدالة والمساواة والمسؤولية الاجتماعية. وقد وضع العديد من المفكرين الانتماء للوطن بنفس مستوى حالة الانتماء للمعتقد، فكلاهما يعبران عن هوية وشخصية حضارية مهمة حيث يكون الفرد متمسكاً بقيم ودوافع وحوافز تزيد من درجة شعوره بضرورة الاخلاص لما ينتمي اليه، ومن هذا المنطلق، يعد المواطن المثالي شريكًا فاعلًا في بناء وطنه، وإسهامه يعزز النمو والازدهار الشاملين للمجتمع. وتعتبر المواطنة النشطة والمسؤولة أساساً لتحقيق التنمية الشاملة والاستقرار في أي دولة.
ولعل ما يعانيه المواطن أحياناً من نقص في الاحتياجات والمتطلبات على اختلاف درجات ضرورتها ليس سبباً أو مبرراً له أو لغيره اطلاق عبارات يتعرضون فيها لقيم المواطنة التي تدعو لسيادة القانون والنظام، وإرساء قواعد العدالة الاجتماعية، فأولاً وقبل كل شيء، يكمن دور المواطنة في احترام المؤسسات الديمقراطية. إذ يعد هذا الالتزام أساسًيا لتعزيز سيادة القانون وتحقيق العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع. وعلى المستوى السياسي، تشجع المواطنة المشاركة الفعّالة في العملية الديمقراطية، سواء عبر التصويت في الانتخابات أو الانخراط في النقاشات العامة لصياغة السياسات التي تعكس حقوق ومصالح الجميع وتمكنهم التأثير إيجابياً على صنع القرارات وتشكيل السياسات التي تخدم الصالح العام.
ويُعزز دور المواطنة في العمل الجماعي والتعاون بين أفراد المجتمع من خلال المشاركة في الأنشطة المجتمعية والعمل التطوعي، مما يمنح المواطنين القدرة على بناء جسور التواصل وتعزيز التضامن الاجتماعي، معززا الشعور بالانتماء والهوية الوطنية. فبمشارك المواطنون في بناء المدارس والمستشفيات وتطوير البنية التحتية وتعزيز التعليم والصحة، يتم تحسين جودة الحياة وتعزيز التنمية في الوطن.
كما يلعب التعليم والوعي دوراً هاماً في تعزيز المواطنة النشطة والمسؤولة. فعندما يتم تثقيف المواطنين وتزويدهم بالمعرفة والمهارات اللازمة، يمكنهم المشاركة بفاعلية في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للوطن. ويعتبر الوعي بالمشكلات الاجتماعية والتصدي لها أحد أهم أدوار المواطنة. فتعزيز العدالة الاجتماعية ومكافحة التمييز والفقر من خلال العمل على توفير الفرص المتساوية لجميع أفراد المجتمع، والتصدي للظروف الاقتصادية والاجتماعية التي تعيق تحقيق العدالة والمساواة.
وفي النهاية، يجب أن ندرك أن الوطن ليس مجرد أرضٍ نعيش عليها، بل هو مجتمع نبنيه جميعًا بتفاعلنا وتضامننا. ومن هنا، يأتي دور المواطنة كعنصر أساسي في صنع وطن نامٍ، فهي تعكس الوعي والمسؤولية تجاه المجتمع والبيئة المحيطة، وتحقق التنمية المستدامة والسلام الاجتماعي. إذاً، لنتحد جميعًا كمواطنين في بناء وطننا الذي نحلم به، ولنعمل معًا من أجل مستقبل أفضل لنا جميعًا.
التعليقات