شغف القراءة
وُجد على جدار إحدى المكتبات التي بناها المصريون القدماء العبارة الآتية: «هذا غذاء النفوس وطِبُ العقول»، ويوضح المعنى أهمية القراءة لِصحّة العقل وإلهام النفس الإنسانية وعافيتها. فقد أدركت الحضارات القديمة التي تركت ورائها عِلماً وآثاراً لا تمحوها السنين ما للقراءة من فائدة وأولويّة، ومن الصعوبة بمكان بناء إنسان حرّ دون تعليمه القراءة والكتابة، وإتاحة الفرصة أمامه للوصول إلى المعلومات.
لقد أضحت القراءة السبيل لبناء القدرات والمهارات، ولتمكين التواصل على المستوى الشخصي والمهني والاجتماعي، وحجر زاوية الإبداع والابتكار، وبدونها لا يتقدم الأفراد ولا تتطوّر المجتمعات، ولا يجدون سبيلهم نحو التغيير والازدهار.
فإذا رغبت في السفر إلى أي مكان في العالم دون أن تغير مكانك أو أردت التعرف على موضوع يشغل تفكيرك، أو راودتك تساؤلات عن الحضارات الغابرة وكيف كانت حياة الناس في الماضي.. بالقراءة تستطيع فعل أكثر من ذلك! ولمن يتساءل لماذا تعدّ القراءة مهمّة؟ هذا المقال سيخبرك بأسباب عديدة عن أهمية القراءة.
هناك من يقرأ لأنه طُلب منه ذلك ولأنه مجبر للذهاب للمدرسة أو للجامعة لتحصيل دراسي معين، وهناك مجتمعات متقدّمة، جعلت من القراءة والمطالعة بالإضافة للتحصيل العلمي والدراسي طريقة حياة وعادة لا يمكن التخلي عنها، ومن يصل أوروبا كزائر يُذهل بنهم الناس للكتب، فالمطالعة رفيقة لهم ويسعدهم اصطحاب كتاب في المترو وفي الحدائق وفي سفر القطارات التي تأخذ وقتاً طويلاً وتستهلك الكثير من أوقاتهم فَلِمَ لا يكون الكتاب صديقاً يضيف لهم من المعرفة والوعي والخيال مِمّا لا تستطيع الحياة وحدها إضافته.
عديد من الفوائد
تقوّي القراءة من أنشطة الدماغ، خلال القراءة يعمل العقل في مجالات مختلفة، الادراك والفهم لمعالجة الكلمات التي تُقرأ، واستخدام القدرات التحليلية، وتحفيز الذكريات، وحتى توسيع الخيال للقارئ، ممارسة القراءة لعبة العقل الذكية، ومن خلال هذه العملية البيولوجية العصبية تُمرّن عضلات الدماغ، إن الذي يذهب للجيم الرياضي لبناء عضلات جسده ونحت قوام رشيق، يُماهي إلى حد كبير القارئ الذي يبتغي صقل طريقة تفكيره وتطوير مُدركاته.
بالإضافة إلى ذلك تَحدّ القراءة من التدهور المعرفي، وتقلل من معدّل تلاشي الذاكرة وضعفها، وقد وجد علماء في جامعة "كاليفورنيا بيركلي" أن القراءة تُقلّل من مستوى بيتا أميلويد " Beta Amyloid " وهو بروتين في الدماغ مرتبط بمرض الزهايمر.
تعزز مهارات الاتصال
تعمل كلّاً من القراءة والكتابة على تحسين مهارات الاتصال لدى الفرد، لهذا إن أردت أن تصبح كاتباً أفضل، فإن العديد من الاقتراحات التي تصادفك ستشمل قراءة المزيد. فيمكن للقراءة أن تفتح عينيك على كلمات جديدة،
فعند مُطالعتك لكتاب سوف تصادف حتماً مفردات جديدة ولو رغبت بإضافتها لقاموسك المعرفي وحفظها، عليك أن تعيد كتابتها وأن تأخذ برهة للبحث عن معناها، إن استخدامك للمفردات الجديدة خلال الحديث سيجعل منك متحدّثاً جيداً وربما مؤثراً بسامعيك.
صوت فكري إضافي
يمكن للكتب أن تكون الملاذ الآمن، ويمكن لها أن تكون مغامرة في الوقت ذاته. بالقراءة تتكوّن لدى الانسان الفرصة للتفكير في الأشياء بطرق جديدة والتعرف على الثقافات والأحداث والأشخاص الذين ربما لم يسمع بهم من قبل، ويمكن بالقراءة تبنّي أساليب التفكير التي تساعد على إعادة تشكيل الهوية الفردية أو تعزيزها. قد تقرأ رواية غامضة، أو لغز لجريمة متسلسلة وتكتشف قدرتك على حل حبكتها ومعرفة القاتل!
أما فيما يتعلق بقوة الشخصية، وعند الوصول إلى مستوى القراءة الجيد وباتباع قاعدة بسيطة ومحبّبة ألا وهي "اعرف القليل عن كل شيء والكثير عن شيء واحد" سيمتلك الشخص مجموعة متنوعة من المعارف والتي ستجعل منه مُتحدّثاً واثقاً ومُلمّاً بعدد لا يستهان به من الموضوعات.
سيضيف الإلمام بالمعلومات جاذبية في الحوارات التي يتمّ المشاركة بها وسَيتيح إبراز تفاصيل عن موضوع معين الثقة بين المُتحدّث والمستمعين، سيعطي ذلك أيضاً انفتاحاً للتحدّث إلى المزيد من الأشخاص من خلفيات وخبرات مختلفة.
تقلل التوتر وتؤنس الوحشة
لا عجب أن ترى أشخاصاً يقرؤون على شاطئ البحر، أو في كوخ ريفي في إجازة يوم الأحد، فالقراءة شكل من أشكال الترفيه التي يمكن أن تصحبك إلى عوالم خياليّة أو تعود بك إلى أزمنة ساحقة في القدم، وإذا ضاقت بك سبل الحياة وبِتَّ وحيداً لن تجد مخرجاً ومسانداً إلا رواية أو كتاب تلمس بين صفحاته خليلاً لوحشتك، فخير جليس في الأنام كتاب.
هناك المزيد من فوائد القراءة ولن نستوفي حقّها في مقال، فقد ثبت أيضاً أن القراءة تقلل من التوتر وتزيد الاسترخاء. عندما يُركّز الدماغ بشكل كامل على مهمة واحدة، مثل القراءة، يستفيد القارئ من الصفات التأملية التي تُقلّل من مستويات التوتر.
رفاهية غير مُدركة في البلدان العربية
كانت كلمات الوحي الإلهي التي تلقاها النبي الكريم بادئة بـ "اقرأ". وزخرت عواصم العرب في تاريخهم المشرق بالمكتبات التي عدّت منارة للعالم، فالمكتبات وشهرتها جلبت العلماء من أصقاع الأرض إلى العواصم العربية، مكتبة دار الحكمة وخزانة بني أمية بالأندلس ودار الحكمة الفاطمية، ودار العلم العامرية وخزانة الكتب الحلبية وبيت الحكمة بالقيروان ومكتبة سابور.. جميعها تعطي تصوراً لأزمنة ذهبية عاشها العرب فيما يَخصّ البحث والعلوم على مختلف أصنافها والثقافة بكافة مشاربها، وهذا مالا يعكسه واقع القراءة اليوم للدول العربية وما آلت إليه أحوال الثقافة، فالمكتبات تُغلق تِباعاً ودور الثقافة تُهمل ومنتديات الشعر أصبحت طي النسيان، ويُظهر البحث السريع على الإنترنت أرقاماً مخيفة بحقّ، من قبيل أن الطفل العربي يقرأ كتاباً واحداً سنوياً مقارنة بالأطفال البريطانيين الذين يقرؤون سبعة كتب في السنة، والأطفال الأمريكيين الذين يقرؤون 11 كتاباً.
وفي المتوسط، يتم إصدار كتاب واحد لكل 12000 مواطناً يعيشون في العالم العربي مقارنة بكتاب واحد لكل 500 مواطن بريطاني وواحد لكل 900 مواطن ألماني. ويقرأ العرب بمعدل ست دقائق في السنة مقابل 200 ساعة في السنة لغير العرب في أوروبا والولايات المتحدة. لا مصادر موثوقة لهذه المعلومات، وحتى في حال وجود مصدر إلا أن المنهجية المستخدمة في الوصول إليها والمعايير المعتمدة تظل موضع شكّ وتساؤل.
وبالرغم من عدم مصداقية المصادر إلا أنه في البلدان التي يسعى مواطنيها لتحصيل قوتهم اليومي ومتطلبات معيشتهم، والتسابق مع الوقت لتأمين احتياجاتهم الحياتيّة من مأكل ومشرب بصعوبة، بسبب العوامل الاقتصادية السيئة، يبدو لديهم جليّاً أن اقتناء كتاب أو قراءته أمست من الرفاهيات.
لابدّ من إدراك أن المجتمع الذي يقرأ ليتثقّف سيكون مجتمعاً نوعياً من حيث العقول، إذ يشعر أبناؤه أنهم يُسافرون بين كتب التاريخ والأدب والعلوم والسياسة والدين والاقتصاد وهم جالسون في مكانهم، ويطّلعون على الحضارات التي تُشكّل بالنسبة لهم إلهاماً كبيراً، ويكتسبون العادات التي تُعجبهم ويتعلمون من الأمم السابقة الكثير من العِبر، ويمكن للقراءة أن تخرج الإنسان من الفقاعات المغلقة، ما يسمح برؤية وجهة نظر مختلفة عن العالم، وتصبح مسألة اكتشاف الأشياء أكثر سهولةً ويُسراً.
استند المقال إلى المصادر التالية.
التعليقات