لماذا لا نستطيع نسيان الصندوق حينما نفكر خارجه؟

التفكير خارج الصندوق، لقد شاع في السنوات الأخيرة مصطلح "التفكير خارج الصندوق" ويكاد يصبح متطلباً أساسياً يحاول كثير من المبدعين تبني مفهومه وكذلك فقد أصبح مهارة أساسية في حقيبة السيرة الذاتية ومن متطلبات أصحاب العمل.

فهل التفكير خارج الصندوق يعني أنه علينا التنصل من الصندوق! وهل يمكننا النجاح في الأمر حين نحاول؟

لنفرض أن التفكير التقليدي هو الصندوق، والتقليدي هنا بمعنى القديم وليس معنى المقلَّد، والتفكير خارج الصندوق يعني تفكير جديد وإبداعي. وفي حقيقة الأمر لا بد من تجديد الأفكار وإبداع ما هو جديد ولكن الشائك في الأمر هو محاولة الكثيرين القدح في الفكر القديم كأنه بلا قيمة! ومحاولة تشويه كل ما هو من التراث، في محاولة خاطئة للانتصار للحداثة!

ولكن لا بد لنا أن نعي أن التراث الفكري مهمٌ جداً لا نستطيع بأي شكلٍ من الأشكال الاستغناء عنه لأن الفكر الذي أساسه العلم مبني على توارث تراكمي وعملية التفكير الإبداعي لا بد أن تكون مرتكزة على حقيقة فكرية صلبة؛ إذن، لولا الصندوق لما استطعنا التحليق في خيال الإبداع والتحليق يتطلب هبوط على مرجعية ثابتة متوازنة لها أساس متين في الفكر القديم وهكذا تماماً في أصالة الأفكار والأشياء جميعها، فلو تأملنا الأفكار التي لا أساس لها من الصحة والإسقاط الواقعي في التراث الفكري فغالباً ما تكون خيالية بحتة وغير منطقية على الإطلاق.

والعقل البشري مرتبط بعضه ببعض بطريقة تجعله يربط الأشياء ببعضها دون وعي منه لهذا فإن كل الأفكار التي سيحاول الدماغ طرحها ستكون ذات علاقة بثقافة وعلم مسبق لديه لهذا أعتقد أنه فلسفياً يستحيل لأحد أن ينتج شيء خارج الصندوق دون أن يؤثر الصندوق أي خلفيته العلمية في إنتاجه حتى بدون وعيه، لهذا فإننا مهما حاولنا التفكير خارج الصندوق، لا يمكننا نسيانه.

التراث الفكري يشكل ماضي عريق لا بد أن نحافظ عليه وأن نقدّر التسلسل العظيم الذي يضم علماء وتجارب ومخاطر وقوانين واستنتاجات وتضحيات وأزمان حافلة بالاجتهاد والذكاء وحل المشكلات، وحين نتصالح مع فكرة أن التراث الفكري التقليدي يمكن أن يفيد الفكر الحديث في كثير من المجالات فعندها نضاعف الإنتاجية الفكرية ونقوي رابطها حيث تكون فكرة خلّاقة إبداعية مبنية على أساس علمي صحيح.

وأخيراً فإن الهجوم الغير مبرر من أصحاب الحداثة خاطئ لا بد لنا من معالجته بطرق توعوية وتطبيقية صحيحة.