لقد اهتم الإسلام بالعلم وحثّ عليه، وخلقَ الله الإنسان وزوده بأدوات العلم، وحثَّهُ على التّعلم والمعرفة، وأول ما نزل من القرآن "إقرأ" التي هي باب لدخول جميع أنواع العلوم والمعرفة المختلفة بجميع المجالات، وأمر بالزيادة من العلم "وقل ربِّ زدني علماً" وهو الأمر الوحيد في القرآن الذي طُلبَ فيه الزيادة، وجعل العلماء ورثة الأنبياء، كما أنزلهم منزلة عالية فقال "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"

وقد اهتمت الدولة الإسلامية في عهد الخلافة والراشدة والعباسية والأموية بكافة العلوم والمجالات، فكانت بغداد عاصمة الخلافة العباسية حاضرة العلوم والفنون، كما إنها اهتمت بتطوير علم الصيدلة.

وقد كانت تعرف الصيدلة في تلك العصور -قبل أن يتم تطوريها وادخال التراكيب عليها- بصناعة العطور والشراب، أي بما يسمّى اليوم "العطّارة"

وأول من لُقّب "بالصّيدلاني" أو "الصيدلي" هو "أبو قريش عيسى".

والصيدلي هو: المحترف بجمع الأدوية وتركيبها أجود التراكيب حسب مبروز أهل الطب.

وتعود لفظة "الصيدلاني" إلى كلمة "جندناني" والتي أصلها كلمة "جندل" الهندية، والمعنيّ بها في اللغة العربية "صندل" وهو خشب طيّب الرائحة.

وقد بقيت المعارف الصيدلية وأعمالها قروناً عديدة تختص بالنباتات والأعشاب فقط، دون أن يدخل فيها أي تراكيب كيميائية إلى أن جاء عصر النهضة، أو ما يسمّى بالعصر الذهبي لدى الدولة الإسلامية.

وكان أول من اكتشف علم الكيمياء وساهم بتقدّمه وساعد في تركيباته مع النباتات هو "جابر بن حيّان". فكان له دور كبير في هذا، كما تمّ تسمية علم الكيمياء "بعلم جابر" وذلك لما عُرف عنه من انجازات، وقد كان جابر هو أول من حضّر : ماء الذهب، وحامض الكبريتيك، وحامض النيتريك، وكربونات الصودا، وكربونات البوتاسيوم. كما أنه أول عالم كيميائي استعمل الموازين الحساسة في تجارب الكيمياء.

وقد تم أخذ الصيدلة في بداياتهم عن اليونان، وذلك بواسطة ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية، وأول كتاب تمّت ترجمته هو "المادّة الطبيّة في الحشائش والأدوية المفردة" ثمّ استمرّ الاهتمام بالكتب والترجمات، وأكثر ما تُرجم هو كتب الهنود الذين اهتمّوا بمعرفة الحشائش وخواصها.

وهذا كلّه كان في عصر النّهضة الإسلامية، التي ساعدت وحثّت على التّعلم واهتمت بكافّة المجالات العلمية وبخاصة الطب والصيدلة، ففي عهد المأمون تمّ نقل الصيدلة من تجارة حرّة إلى مهنة تحت مراقبة الدولة، وكان ذلك عندما وصل للمأمون أن هنالك من المفسدين والدّجالين الذين يزعمون أنّهم على دراية بكافّة الأدوية والوصفات، ويعطون المرضى الدواء كيفما اتّفق.

وقد كان المسلمون أول من حوّل هذه التّجارة إلى مهنة ودراسة يُعطى لها شهادة وترخيص في المزاولة.

ويُذكر أنّه في ذلك الوقت الذي كانت فيه الكنائس في دول أوروبا تحرم العمل بالأدوية والتداوي بها لأن المرض هو من عند الله ولا يجب على المريض ردعه، كانت النّساء يمارسن الطب والصيدلة في بلاط الخليفة الموحدي.

ويقول جوستاف لوبون "نستطيع ــ بلا أدنى حرج ـــ أن ننسب علم الصيدلة إليهم ــ أي المسلمين ــ، ونقول أنه اختراع عربي (اسلامي) أصيل، فقد أضافو إلى الأدوية التي كانت معروفة قبلهم مركبات عديدة من اختراعهم، وألفوا أول كتب في العقاقير.."

ومن أشهر الأطبّاء المسلمين الذين كانت لهم العديد من الاسهامات المتيمزة في هذا العلم هم:

١- أبو بكر الرازي: وقد أُطلق عليه "جالينوس العرب" وقد اعتبر "أبا الطب الإسلامي" لما قدّمه من علوم واكتشافات. وهو أول من أرجع أسباب الإصابة ببعض الأمراض إلى "الوراثة" وكان أول من استخدم الزئبق فيالمراهم.

٢- ابن سينا: وقد لقّب بأمير الأطبّاء وزعيمهم، وكان أكثر الإطبّاء علماً ومعرفةً في القرون الوسطى، وقد ألّف كتباً عديدة أشهرها "القانون في الطبّ" و كتاب "الشّفاء" وتُرجمَت كُتبه إلى معظم لُغات العالم وتمّ تدريسهما في جامعات فرنسا وايطاليا وفي جامعة مونبلييه، وظلّت تُدرّس حتى القرن التاسع العشر.

٣- ابن النفيس: هو علاء الدين الدمشقي وهو أول من شرح الدورة الدموية الصغرى وله العديد من المؤلفات عن أمراض العين والأنظمة الغذائية.

٤- ابو قاسم الزهراوي: من أعظم الجراحين الذين ظهروا في العالم الإسلامي ولُقّب بأبي الجراحة الحديثة وألّف كتابه الشّهير "التصريف لمن عجز عن التأليف. الذي اعتبر موسوعة طبّية عالمية من ثلاثين مجلداً.

أشهر مؤلفات المسلمين في الصيدلة:

١- (منافع الأغذية) و (صيدلة الطب) و (الحاوي في التداوي) للرازي

٢- (كامل الصناعة الطبيّة) و (الملكي) لعلي بن عباس

٣- (مناهج الدكان ودستور الأعيان) لكوهين العطّار.

مصدر المقال: