قد لا يشعر البعض بالراحة لقراءة مثل تلك المواضيع -رغم أنها لا ذكر فيها لألفاظ- ولكن احتياطًا إن كنت دون الثامنة عشر فلا تقرأ هذا الموضوع، غير ذلك أعتذر مقدمًا عن أي أخطاء نحوية أو إملائية قد تقابلك ولكني لا أستطيع مراجعة ما كتبته لذا تجاهلها.
الشكر لأحد صفحات الفيسبوك على هذه الكتب القديمة ذات الموضوعات الشيقة التي تلقي بها في وجهي، وشكر آخر للجامعة الأمريكية بالقاهرة على حفظها هذه المستندات التي توضح فترة مهمة من تاريخنا، لا لحبنا لما فيها ولكن إدراكًا لواقع قد كان، وفهمًا لحاضر واستشرافًا لمستقبل، إيمانًا منا أن الماضي والتراث جزء لا يتجزأ من وعينا الحالي وثقافتنا وبالنالي هويتنا، وفهمه ضروري لحل أزمة الهوية التي نعاني منها كبشر أولًا وكعرب ومصريين ثانيًا.
في هذا الكتاب صغير الحجم يتحدث طبيب مصري يُدعى "فخري ميخائيل فرج" عن "انتشار البغاء والأمراض التناسلية بالقطر المصري" و "بعض الطرق لمحاربتها" رفعه لملك مصر عام ١٩٢٣ يتحدث فيها عن تطور البغاء وانتشاره بعد الحرب العالمية الأولى في مصر وما صاحبها من أمراض مع بعض "الفذلكات" في أسباب هذا الإنتشار وددت لو ألخصها خصوصًا لاحتواءه على تقديرات وسجلات تابعة لوزارة الصحة عن هذا النوع من النشاط.
يبدأ الكاتب بمقدمة صغيرة يحصن فيها نفسه إذا اتهمه أحد "بالخيانة" لأننا نعلم أن ثقافتنا لا تقبل النقد، ثم هدق هذا الكتاب وهو إيمانه بحيوية موضوع الأمراض التناسلية وضرورة مقاومتها سريعًا، ثم يتحدث في فصل عن انتشار الأمراض التناسلية
انتشار الأمراض التناسلية
يعتمد الكاتب على الإحصائيات المتعلقة بالعاهرات لإنعدام أي إحصائيات رسمية أخرى تتحدث عن الأمراض التناسلية بين الشعب، يليها إحصائيات الأطباء التي قد تعوض جزءًا صغيرًا من غياب الإحصائيات الرسمية.
النظام المصري يجيز وجود العاهرات بشكل رسمي، مع رأيه الشخصي بإلغاءه التدريجي، ويتحدث عن مخاطر المنع المفاجئ للبغاء بعد انتشاره وأثر ذلك على انتشار الأمراض التناسلية وفحش الأخلاق.
مصلحة الصحة السنوية تهمل في تقاريرها تفاصيل مثل جنسية العاهرات، ويرجع الكاتب هذا إلى الامتيازات الأجنبية واحتماء العاهرات الأجنبيات بالقنصليات حتى لا تُنفذ عليهن اللوائح التي تنفذ على المصريات.
العاهرات في مصر: جنسهن وعددهن وأمراضهن
في مصر نوعان من العاهرات: (١) العاهرات الأجنبيات، و(٢) العاهرات الوطنيات -المصريات ولا يقصد أي عمل وطني لهن-
والعاهرات الأجنبيات تنقسمن إلى: (١) العاهرات من الدرجة الأولى: لا تدخل ضمن الكشف السنوي عن الأمراض التناسلية لإرسالها شهادة تثبت صحتها من طبيبها الخاص -ويلمح الكاتب لسهولة تزويرها. صفاتها: زي نظيف وقبعة وحذاء "شيك" على حد وصف الكاتب، وأما طرق عمل الواحدة منهن: إما أن تنزل بنسيون -نُزل- أو عند صديقة لها ولا تعمل في بيوت الدعارة، ومظهرها مظهر سيدات الطبقة العليا، لا تخشى رقابة البوليس لأنها مسجلة سرًا في السجلات ولا يحق لأي طبيب أن يعرف عنهن شيئًا من المصالح الحكومية.
يوضح الكاتب مفارقة بين السلطة العسكرية الإنجليزية والحكومة وقته في التامل معهن، فلم تعترف بهن السلطة العسكرية وأخضعتهن للفحوصات والسجلات لحماية جنودهم حسب تفسير الكاتب، فأغلقت مستشفى شبرا التي كانت تعالجهن، ويوجه العتاب لمصلحة الصحة التي أغلقتها وأهملت علاجهن لأن خطرهن كبير على الشباب المصري مع تزايد أعداد الأجانب، ويلفت النظر أنه ليس جمالهن الأجنبي وحده من يجذب الرجال، بل * عدم خضوعهن لرقابة الشرطة تجذب من ينفر من الدعارة الرسمية* وهذا يضاعف المخاطر لأنهن لا يخضعن للكشف كالعاهرات الرسميات أصلًا.
(٢) والنوع الآخر منهن هو العاهرات الأجنبيات الرسميات -درجة ثانية إن صح التعبير: يلمح الكاتب إلى تجنب مصلحة الصحة تسجيل العاهرات الأجنبيات بالأسكندرية -معقل الأجانب أصلًا بمصر- ويذكر أول الإحصائيات الرسمية، ويجب ملاحظة أن كل الإحصائيات بين عام ١٩١٧ و١٩٢٠ فكان مجموعهن في تزايد في الثلاث سنوات الأولى ووصل إلى ١٣٢٦ عام ١٩١٩م ثم نقص إلى ٩٢٩ في ١٩٢٠م، ويرجع الكاتب ذلك إلى التعامي من الحكومة أولًا وعاهرات الدرجة الأولى ثانيًا.
يلي ذلك بعض الفذلكات عن البغاء غير الرسمي في مصر ودور الحرب العالمية الأولى في زيادته وقرارات السلطة العسكرية الإنجليزية التي أدت لتعسر البغاء الأجنبي الرسمي، ومحاولة الأجنبيات المقيمات مع غزل العسكر الإنجليزي وذهاب الشباب الأجانب المقيمين من جالياتهن للحرب استغلال هذا الفراغ، ويفخر بعدم وقوع المصريات لهذا الغزل فريسة، وهكذا انتشرت الأمراض بين الأجانب في مصر عبر البغاء غير الرسمي.
أما عن انتشاىه بين المصريين فيعيد الكاتب ذلك للشاب المصري الذي مارس البغاء مع الفئة غير الرسمية من البغايا الأجانب، فانتقلت العدوى من الإنجليزي والاسترالي والكندي للأجنبية ثم للمصري.
يتحدث الكاتب تاليًا عن بيوت الدعارة وبنسيونات البغاء المنظمة التي كان انتشارها قليلًا قبل الحرب العالمية الأولى -الحرب العظمى كما يصفها- وكانت تديرها قوادات أجنبيات، وغلقها للأسباب التي وضحناها بالأعلى، وبعد الحرب حل محل بنسيونات البغاء: (١) بنسيونات غير منظمة تراقبها السلطة، (٢) وبنسيونات غير منظمة غير مسجلة رسميًا للزيارات الخاصة، (٣) محل خاص للتسلية (٤) محل نصف خاص للتسلية.
أما المحل الخاص للتسلية فهو شقة تستأجرها العاهرة وتستقبل زبائنها فيها فيها، وأما المحل نصف الخاص فهو كبنسيون البغاء المعروف قديمًا ولكن يختلف في اختفاء القوادة التي كانت تدير البنسيون وتنظمه، فتشترك عدة عاهرات أجنبيات في دفع إيجار شقة لكل منهن فيها غرفة خاص بها تستقبل فيها زبائنها -كأنك استبدلت رأسمالية القوادة واستغلالها العاهرات باشتراكية على الضيق، ووصل الأمر إلى طلاب المدارس العليا الذين أدمن بعضهم هذه المحال، ويذكر الكاتب إحصائيات رسمية يصفها أنها لا تخرج عن حد عشر معشار الحقيقة
مجموع العاهرات الأجنبيات المسجلات بين ١٩١٧ و١٩٢٠ م هو ٤٣٢٢ عاهرة
مجموع العاهرات الأجانب في مصر اللاتي عولجن من أمراض بين ١٩١٧ و١٩٢٠م هو ٣٨٠٢ عاهرة مسجلة رسميًا منهن ٧.١٥٪ عولجن من الزهري و ٧٠.٣٠٪ من السيلان و ٢٢.٥٠٪ من أمراض أخرى -يدخل فيها أبسط الأشياء لكثر الإهتام بهن فتجدها اعلى من الوطنيات.
مجموع العاهرات الوطنيات المسجلات بين ١٩١٧ و١٩٢٠م هو ٢١٨٥٣ عاهرة
مجموع العاهرات الوطنيات اللاتي عولجن من أمراض بين ١٩١٧ و١٩٢٠م هو ٢٧١٧٨ عاهرة، منهن ١٨.٢٠٪ من الزهري، و ٧١.٣٠٪ من السيلان و ١٠.٥٠٪ من أمراض أخرى -قرحة رخوة وجرب..إلخ، وسبب ارتفاع نسبة الزهري هو عدم علاجه جيدًا على عكس الأجنبيات اللاتي يلقين علاجًا ممتازًا مما يجعله يعود من جديد.
البغاء الوطني الرسمي وغير الرسمي
يرجع الكاتب عدم كثرة العاهرات الوطنيات وانتشارهن في الوقت ذاته إلى مشاكل اجتماعية واقتصاديةمنها:
١- الفقر والطلاق سبب البغاء الرسمي وأغلبهن من الطبقة الفقيرة
٢-البغاء الرسمي منتشر في العواصم فقط، لخجل العاهرات المصريات ولطبيعة الثقافة الريفية وقيمها والقرية التي تعرف كل من فيها
٣- أما البغاء غير الرسمي فمنتشر فيقدرن بعشرة أضعاف الرسميات ولا يرجع للفقر لأنه يدخل فيه نسوة من الطبقة الوسطى والعالية، لأسباب منها رغبتهن في تقليد الأجنبيات في أزيائهن، حيث حدثت طفرة مالية للطبقة الوسطى فترة ثم عادوا لأفقر مما كانوا عليه، فظهرت الدعارة مقابل "هدايا" مثل فستان ما.
٤- نشر الثقافة المنحطة عبر المسارح الهزلية التي عرضت ما لا يصح عرضه على عقل المرأة المصرية ضعيف التعليم حينها -وكتب الكاتب فيه الكثير.
٥- إغلاق عدد كبير المحال الرسمية للبغاء بأمر من الإحتلال لتعكر مزاج الجنود الإنجليز عند مرورهم عليها، مما ساعد على انتشار البغاء غير الرسمي
٦- انتقال الفتنة بين المنازل، وهو ما يذكرني بحديث التيفاشي في درة الألباب في ما لا يوجد في كتاب عن أنواع القوادات ومنهن المرأة العجوز التي تدخل المنازل وتبدو طيبة ثم تدفع النسوة للرذيلة، فهو يتحدث عن شيئ يشبه هذا، وعن الماشطات وأثرهن في اشعال غرائز النسوة، فاحذروا.
٧- عادات الرجال المصريين -التي لم يتغير حتى الآن في نظري- الذي يتركن نسائهم ويسهرون حتى وقت متأخر -وإن كان في المقهى- فتظن المرأة أنه يخونها فتود الإنتقام منه من نفس جنس جريمته وتخونه فتدخل عالم البغاء السري دون أن تدري.
٨- وجود القوادين بأنواعهم
٩- ما أسماه الكاتب التقليد بالتحريض وهو ببساطة يتلخص في "فلانة جربت ذلك لمَ لا تجربيه.. يجب أن تجربيه حقًا" والإلحاح المستمر المعروف عن النسوة، مع خدعة بسيطة وهي إدعاء وجود المرأة عند صديقتها أو امرأة يعرفها زوجها وهي سبب تأخيؤها
١٠- الرغبة في التجديد على حسب تعبيري، أو كما قال الكاتب عشق كل ما هو جديد، وكما وضحها تولستوي في "آنا كارنينا" والزواج في سن صغير "الزواج الإجباري"، يدعو الكاتب لرفع سن الزواج الرسمي إلى ثمانية عشر عامًا حتى يكتمل نضوجها العقلي، و"الزواج الانتفاعي" لأجل مال أو سلطة اجتماعية، وطريق محاربته رفع معدل التعليم
١١- تعدد الزوجات، وعشق الاستمتاع بالرجال -عكس تعدد الزوجات- لشهوة عند المرأة ويدعي أنه النوع الموجود عند الطبقات العليا والوسطى، ويتجهن لأماكن عدة منها القوارب على النيل التي اتخذها العض منازلًا.
يقدر الكاتب أن من يشتركن في البغاء السري بالقاهرة بين ٢٥ إلى ٣٠ ألفًا بينهن على الأقل ٩ ألاف مريضة بالأمراض التناسلية، وهذه أقل التقديرات
إلى هنا ينتهي حديث اليوم، وإن لن ينته الكتاب، حيث يستطرد الكاتب بعد ذلك في الحديث عن الكشف الطبي في مصر ومصائبه، وعن المستشفيات، وعن الأمراض التناسلية المنتشرة في مصر، وطرق مقاومة انتشار البغاء والأمراض، ويمكن أن ألخصه إذا أراد أحدهم ذلك.
حديث اليوم لم أتطرق فيه لأفكاري الشخصية إلا نادرًا بين السطور وآثرت أن أضع أفكار الكاتب كما وضعها قدر المستطاع بهدف التسجيل الإلكتروني لمحتوياا مستند هام كهذا، واطلاعنا على أفكار من سبقونا.
بالتأكيد لن يخل هذا الموضوع من بضعة أسئلة كالمعتاد، ما رايك في تقديرات الكاتب للبغاء؟ هل صدمتك؟ هل ما زال البغاء رسميًا في بلادك؟ وماذا عن البغاء غير الرسمي؟ ما رأيك في البغاء، معه أم ضده؟ هل تراه حلًا للكبت الجنسي أفضل أمام الصعوبات المادية والمعنوية أمام الشباب؟ أليس من الأفضل تقنينه ليسهل مراقبته وحماية شبابنا من الأمراض؟ فهو حتمية لا خلاص منها مهما حاولت، وإن منعته فينتشر تحت الأرض ومعه الأمراض دون رقابة منك، ألديك حلول أخرى غير البغاء تقدمها تحل محل البغاء في دوره في المجتمع؟ تعدد الزوجات يبدو حلًا جيدًا فماذا عن تعدد الأزواج؟ ولن يتسع المقال للحديث عن البغاء المقدس بالطبع.
رابط الكتاب:
التعليقات