السلام عليكم
في مصر هناك مقولة شعبية تقول: "العدد في اللمون"، بمعني أنك لو أردت الحصول علي عدد كبير من سلعة معينة مقابل ثمن مادي بخس فستجد بغيتك في الليمون (بالطبع اخترعوا هذا المثل قبل أن يصيب الجنون أسعار الليمون نفسه في هذا الزمن السعيد !). و سبب حديثي عن هذه المقولة أنني اشتركتُ حديثاً في موقع "خمسات" لتقديم خدمتين، إحداهما هي كتابة مقالات تقنية احترافية. و طلبتُ 10 دولارات مقابل كل مقال احترافي من 1000 كلمة؛ نظير الموضوع الجيد و المفيد و المتكامل، و الكتابة التقنية الاحترافية مع التدقيق اللغوي المناسب. و لكني فوجئت عند تصفح الموقع بأن العادي و الطبعي أن يطلب أحد العملاء الحصول علي 10 مقالات مثلاً بـ5 دولارات فقط !، بل و هناك من أوصل العدد لـ20 مقال حصري تشتمل علي صور !. و صار الأمر سباقاً يتنافس فيه من يقدمون عدداً أكبر من المقالات مقابل سعر أقل (و هم كثيرون بالمناسبة) !.
لذا فالسؤال المنطقي الذي يطرح نفسه أرضاً: "بحق الله، أي نوع من أنواع المقالات الذي يكون 20 منه بـ5 دولارات فقط ؟!".
المفترض أن الكتابة الجيدة سلعة لها ثمنها الذي "يجب" أن يحرص صاحبها عليه، و المجهود الذي يبذله الكاتب التقني (أو غير التقني) في اختيار الموضوع الجيد، و في القراءة عنه بما يكفي لكتابة محتوي جيد، ثم في تنقيح كتاباته منطقياً و لغوياً، كل هذا يجب أن يكون له ثمنه المعقول (و لو علي قبيل الاحترام لمهنة الكتابة، و احترام نقل العلم و المعرفة)، أو أن يكون مجانياً بالكامل لأنه ساعتها سيكون تطوعاً لنقل العلم لكل الناس ابتغاءً لوجه الله تعالي، و هذا (من المفترض) أن يجعل قيمتها أكبر من أي مقابل مادي. إنما أن يتم بيع المقالات مقابل ذلك السعر البخس فإنه يجعل الغثاء حتي الآذان؛ فلا تحاولوا إقناعي بأن من سيكتب 20 مقالاً في يومين (نعم: في يومين) سيجعلهن قِطعاً من الفن الرفيع و الكتابة الساحرة، بل ستكون (قَطعاً و يقيناً) مما يسبب ألم المعدة. أما أن يكون الكاتب المسكين قد كتب الكثير من الموضوعات الجيدة من قبل ثم اضطرته الحاجة إلي بيعها بمثل هذا الثمن البخس فاحتمال شديد الندرة، و استثناء لا يمكن اتخاذه قاعدة.
في النهاية: فإنه وسط كل ذلك الغثاء يصير من السهل للغاية أن يضيع المحتوي الجيد فلا نصل إليه إلا بعد جهد و عناء، و يصير عذاباً أليماً لمن يحرص علي إعطاء الكتابة حقها من الجهد أن يجد مقابلاً جيداً لقاء ما يكتبه، و هكذا نجد أن مواهب ممتازة تضيع لأن أصحابها يبحثون عن موارد أخري للرزق غير الكتابة التقنية، لأن من ينطبق عليهم مقولة "العدد في اللمون" انتشروا لدرجة أنك لو فتحت براد الشاي فربما تجد أحدهم داخله !. و المفترض ألا يكون الأمر سباقاً بين من يقدمون عدداً أكبر بسعر أقل، بل بين من يقدمون خدمات أفضل مقابل نفس السعر الجيد؛ ليصير بإمكان أصحاب المواهب الاعتماد علي مواهبهم في الكسب، و بالتالي يكون بإمكانهم التفرغ و إثراء المحتوي العربي (في كل المجالات و ليس في التقنية فحسب). و هذا كما ترون في صالح الكُتاب و القراء و أصحاب المواقع.
تنبيه هام للغاية: أرجو ألا يؤخذ كلامي علي أنه انتقاص من موقع خمسات و/أو القائمين عليه و/أو مقدمي الخدمات و/أو طالبي الخدمات فيه؛ فأنا هنا أنتقد جزئية معينة فقط و لا أعمم الأمر علي الكل.
التعليقات