في أحد الفصول الدراسية عندما كنت في المرحلة المتوسطة، أحد المعلمين قال لطلابه الذين كنت من ضمنهم: لن تقوم لنا قائمة الا بحدوث معجزة. وأكمل أنه في كل جيل يسوء الحال عن الجيل الذي قبله. أستدل المعلم بحديث الرسول صلى الله عليه وسلّم قائلاً خير القرون قرني ثم الذي يليه ثم الذي يليه. أيضاً استدل في ذلك الحين في حال الناس الديني، والاجتماعي والاقتصادي. دلالات معلمنا واستشهاداته كانت قوية بالنسبة لعقولنا في ذلك الحين. كادت ملامح الأمل كالضوء الخافت الذي قطع الضباب الاتصال بينه وبين أعيننا.
يأتي بفكرة جديدة في كل حصة دراسية، تشعرنا بأن حجم المسؤولية على أكتافنا ثقيل، ونسبة النجاح في تحمّل المسؤولية صفر. فجيلنا الذي نحسبه واعداً، كما لو ظهرت حقيقته أنه أسواء من جيل معلمينا وجيل آباءنا. كيف لا وقد حُمّلت أكتافنا هموم الأمة ونعرف تماماً قبل أن نتحمل تلك المسؤولية أننا سوف نفشل، ونعرف أننا نحن الجيل الأسواء على الإطلاق ولن نرجوا خيراً في الجيل الآخر الذي يلينا ولا الأجيال التي تلينا.
ومما كان يزيد الأمر سوءاً، ليس المعلم وحده من كان يحمل لي ولغيري ذلك الذنب وتلك المسؤولية وسوء التقدير. فكانت تردد في مجالس الكبار مساوئ الجيل الحديث وعدم اكتراثة للمسؤولية والدين والمجتمع. كان التنمّر الجيلي جلياً عندما يُعَّمْ جيلنا بالمساوئ ونادراً ماتذكر الميّزات ولكن ليست على مستوى الجيل بل على المستوى الفردي.
حَمِلنا مسؤلية الأمّة فُرادا، ونتسائل لماذا في الدول الأخرى شبابٌ مثلنا، ولديهم إنجازات عظيمة تخدم أقتصاد دولهم ومجتمعاتهم؟ هل لأن سلّم الأجيال لديهم يختلف عنا؟ هل لأننا بدأنا قبلهم لنصل الى السوء قبلهم؟ فيجابونا الموروث الفكري ليقول! الدنيا ليست لنا، نحن نتعذّب باكراً لنرى الجنة لاحقاً ولكنهم العكس.
عَلِمت مما قرأت وخبرت مما جربت، أن الشعور بالذنب يولّد الأحباط. وشعوراً دائماً بالذنب يعني شعوراً دائماً بالاحباط. وعندما يكون الانسان محبطاً، فمن الطبيعي أن يخفت نور نجاحاته وإنجازاته. صحيحاً أن النجاح أمراً نسبياً فما أعتقده نجاحاً قد لايكون كذلك بالنسبة لشخصاً اخر. ولكني تابعت سيرة الناجحين بنظري ثم أني نادراً ماوجدتهم في مواضع الاحساس بالذنب والاحباط. وأدركت الآن أني لن أرث عقلي ولن استنسخه. سوف أفكر، وأقرر، وأحل المشاكل التي تعنيني فحسب. فخير بدايتاً للمرء بنفسه.
لازالوا بعض أصدقائي يرثون نفس الفكر، ويعلمونه أبنائهم، ويريد بعضهم أن يقنعني بأني مذنب، في حال منحطه ويجب علي أن أحجب وجهي من العار. ويبالغ بعضهم في أن العار يشمل الكل ونحن أمتةً ضحكت عليها الأمم. ونحن ضعفاء ولن نكون اقوياء الا بمعجزة. حتى لا يُفسّر كلامي تفسيراً خاطئاً، انا لست ضد هذا التفكير! لكن لكل شخصاً حق أن يختار ما أن يرث فكره، أو يفكّر ثم يصل بفكره الى نفس ماوصل اليه الموروث الفكري، أو يفكر ويستقل بنفسة. وأنا قررت بأني لست مسؤولاً عن شاب من جيلي يضرب أمه أو يحرق بلده أنا مستقلاً بإحساني وبذنبي، أنا مستقلاً بفكري.
قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير). فاطر:18
التعليقات