في كل منصة، هناك ذلك الكائن الأسطوري الذي لا اسم له، لا صورة، لا هوية، لكنه حاضر دائمًا: "مجهول". يظهر فجأة كالشبح، يكتب تعليقًا حادًا، ثم يختفي تاركًا وراءه أثرًا من الغبار الرقمي.

المجهول هو الفيلسوف الذي لا يريد أن يُعرف، المحارب الذي يخوض معاركه بلا درع ولا سيف، فقط بلوحة مفاتيح. يظن أنه بذلك يحمي نفسه من النقد، بينما في الحقيقة يختبئ خلف ستارٍ أرقّ من ورق السجائر.

لماذا يختار البعض أن يكونوا "مجهولين"؟

  • لأنهم يعتقدون أن الفكرة أقوى من صاحبها، وأن الهوية مجرد عبء.
  • أو لأنهم يخافون أن تُكشف هشاشتهم، فيفضلون أن يرموا حجارتهم من خلف جدار.
  • وربما لأنهم يجدون في المجهولية فرصة ليقولوا ما لا يجرؤون على قوله بأسمائهم الحقيقية.

لكن المشكلة ليست في المجهولية نفسها، بل في الثقافة التي ترافقها: المجهول غالبًا لا يكتفي بطرح فكرة، بل يهاجم، يسخر، ويظن أن غياب اسمه يمنحه حصانة أخلاقية. كأنما يقول: "أنا مجهول، إذن أنا فوق النقد".

المجهول يطالب الآخرين بالصدق، بالوضوح، بالجرأة، بينما هو نفسه يكتب من وراء قناع. يهاجم من يستخدم أدوات مثل الذكاء الاصطناعي، لكنه لا يرى أن استخدامه لصفة "مجهول" هو أداة أكثر ضعفًا.

إنه مثل شخص يصرخ في وجهك من خلف ستارة المسرح: تسمع الصوت، لكنك لا ترى الممثل. وحين ترد عليه، يختفي، تاركًا لك حوارًا مع الفراغ.

***المجهولية ليست عيبًا إن كانت وسيلة لحماية خصوصية أو قول الحق في وجه سلطة. لكنها تتحول إلى عبث حين تُستخدم كملاذ للهجوم الرخيص أو السخرية الفارغة.

فيا أيها "المجهول"، إن أردت أن تكون صوتًا مسموعًا، فلتكن لديك الجرأة أن تُظهر نفسك. أما أن تختبئ وتظن أنك تكشف الآخرين، فذلك أشبه بطفل يختبئ خلف كرسي ويظن أنه غير مرئي بينما قدماه بارزتان للجميع.