في كل مجتمع، مهما بدا صاخبًا أو متسامحًا أو متناقضًا، هناك حقيقة واحدة يتجاهلها الجميع:

نحن لا نخاف من الآخرين… نحن نخاف من نسختنا الحقيقية أمامهم.

نعيش ونحن نرتدي أثوابًا لا تشبه جلودنا.

نضحك ونحن نخنق نصف شعور كي لا يُساء فهمه.

ونتحدث ونحن نحذف من الجملة ما لا يوافق مزاج السامع، وكأن المجتمع ليس فضاءً نعيش فيه، بل امتحانًا علينا أن ننجح فيه دون أن نفهم أسئلته.

الغريب أن الناس لا تطالبنا بالكمال كما نتوقع،

لكننا نحن من نتصرف كأن كل خطوة مرصودة.

نراجع أقوالنا قبل أن تُقال، ومشاعرنا قبل أن تُشعر، وحتى أحلامنا قبل أن تُحكى.

وكأن العالم وضع على قلوبنا بوابة تفتيش لا يُسمح بعبورها إلا ما يناسب مزاجه.

وهنا يبدأ الخوف الحقيقي

ليس خوفًا من النقد ولا من الرفض

بل من أن يرى الناس ذلك الجزء الصغير في داخلنا الذي تعب من التجمّل، تعب من ارتداء القوة، تعب من الصمت، تعب من لعب دور يناسب الآخرين أكثر مما يناسبه.

نحن دائمًا في صراع صامت بين اثنين

الإنسان الذي نكونه عندما نكون وحدنا،

والإنسان الذي نصنعه كي نصلح للعرض العام.

ومع الوقت، يصبح الخطر الأكبر ليس أن نخسر المجتمع،

بل أن نخسر أنفسنا دفاعًا عن رأي لم يُطلب منّا أصلاً.

ولعل السؤال الذي نخاف التفكير فيه

لماذا ينجو الإنسان المزيف في المجتمع أكثر من الإنسان الصادق؟

ولماذا أصبح الصدق مخاطرة، والتمثيل ذكاءً اجتماعياً؟

ربما آن الوقت لنسأل أنفسنا بصوت واضح

إلى متى سنستمر في حماية صورة لا تشبه قلوبنا، بينما نترك قلوبنا مكشوفة للخوف؟

وفي النهاية، لا أحد يستطيع أن يمنح المجتمع إنسانًا أصيلاً…

ما لم يتصالح أولاً مع الإنسان الذي يختبئ في داخله.

والسؤال المطروح في الاخير

هل يمكن للإنسان أن يعيش حقيقته كاملة في مجتمع يبجّل الصورة أكثر مما يقدّر الروح، أم أننا محكومون دائمًا بقدرٍ من التخفي لنحافظ على مكاننا بين الآخري