عندما يغمرنا الخيال في سرد تفاصيلنا الصغيرة والمبالغة في وصف الاشياء بجعلها احداث ذات أهمية تتربع على رأس تلك المواضيع التي تعكس ارواحنا ككتاب من ناحية ومن ناحية أخرى يجد القارئ فيها متنفساً وهو يتنقل بين أحداثها التي تجعله ينسى الماسي والاحزان المحاطة به واقعيا، يتمنى تارة لو عايش قصص شخصياته وتارة أخرى أن يرى حياته تتماشى مع قراءاته لرواياته المفضلة.

سطوة الخيال بين الحروف والكلمات عنصر مهم في العمل الأدبي، وما يجعلنا ندرك إبداع الكاتب هو قدرته في إيصال أحاسيس كانت مخبؤه ومعاني كانت محجوبة وعواطف كانت مكنونة، ولولا الاستعانة بلغة إيحائية لم استطعنا أن نغدي تفكيرنا على التخيل، واللغة وحدها لا تزيد من رصيدنا من كلمات وجمل فقط، بل في قدرتها في توسع مساحات مشاعرنا وأفاق تصوراتنا.

والأكيد أن هناك سائل يسأل، يا عفيفة هل جميع ما نكتبه لابد أن نضفي فيه جانبا من الخيال؟ مما لاشك فيه بأن ليس كل الكتاب يتمتعون بملكة الخيال وقادرين على إيصال أحاسيسهم ببناء شخصيات من درب الخيال تنجح في وصف ما يمرونه بهم، سنجد الأكيد من يميل لاختصار الوقت والجهد والتعبير عن أفكاره بوضوح وبساطة دون أن يتكبد عناء التشبيه والكناية خوفا ألا تفهم كلماته بالشكل الذي أراده أن يكون.

سيأتي سؤال أخر، كيف يمكننا إذن أن ننمي ملكة الخيال في الكتابة؟ في الحقيقة لا توجد خلطة سحرية كل شئ نابع من القراءات المتعددة والكتابة اليومية، فكلما زادت ساعات التدريب، كلما كانت النتائج أفضل.

ومن يريد أن يكون كاتبا عبقريا لابد أن يكون قارئا ملهما حساسا يستشعر ما يدور حوله ليس فقط لارتباطه بالكتب فقط، بل لذاته وللأحداث اليومية التي تدير به. تقول الكاتبة نورا الشفري " الكاتب لابد أن ستوحي إحساسه من الرؤية الحاذقة للحياة ثم ينقله بالكتابة تلك في ظني عبقرية القلم".

وكلما ظهرت أهمية توظيف الخيال في العمل الأدبي استشعرت أثره على الكاتب، فالكاتب الذي يملك خيال واسع يجد نفسه مندمج في عمله، يشعر كأن شخصياته من فلذة كبده. وهنا أتذكر ما حدث مع ماركيز وهو يكتب إحدى رواياته خرج من مكتبه مكفهر الوجه، فقالت له زوجته: هل مات العقيد؟ قال لها: نعم، ثم تهالك على الأريكة باكيا.. من وصل الى هذه الدرجة من الاندماج الأدبي؟

لو ننظر الى بدايات الروائي غابرييل غارسيا ماركيز نجد في أحد النصوص يتحدث عن قصته مع توظيف الخيال يقول " في أحد الليالي، أعارني صديق لي كتاب قصص قصيرة كتبها فرانك كافكا، عدت للمنزل وبدأت في قراءتها، صعقني السطر الأول، كنت متفاجئا تماما، بدأ الكتاب عندما استيقظ غريغور سامسا بعد ليلة مليئة بالأحلام المضطربة، وجد نفسه قد تحول بشكل ما في فراشه الى حشرة عملاقة.." وبعد قِرأته للكتاب لم يكن يعلم بأن باستطاعته سرد الأحداث بتوظيف الخيال ويضيف لو كان يعلم لبدأ الكتابة منذ زمن طويل جدا ومنذ تلك اللحظة شرع في كتابة القصص القصيرة.

ولمن يشعر باليأس لكونه لم ينجح الى الأن من توظيف الخيال في كتاباته، لا تيأس في اكتشاف ما يميل إليه قلمك أكثر، فهناك من يصلح للكتابة الواقعية وتشريح مشاكل المجتمع بتفاصيله في حين يعجز عن كتابة جملة تعبيرية واحدة، أما عن الكُتاب الذين ما زلوا على الطريق يحاولون فالأكيد سيصلون الى ما يسعون إليه، ولا يفوتني أن أختم أحرفي لما وصفه الرافعي وهو يصف أسلوب الشيخ محمد عبده ويقول: رأيت كتابة الشيخ أيام بدأ يكتب وهي لا تستحق أن تقرأ ولا تساوي شيئا، ولم تكد تمضي سنتين حتى تدفق في الكتابة" 

وخلاصة ذلك، لمن يريد أن يتميز بكتاباته سيصل ولو بعد سنين من الممارسة.

ماذا عنكم يا أصدقاء، كيف تنظرون لسطوة الخيال في العمل الأدبي؟ وهل توظفون ذلك في التأثير على قرائكم.