نقرأ لاجل التعلّم أو المتعة، ومنّا من يقرأ وعينه على طريقة الكاتب في رصّ الكلمات، وسُبله في ايصال الأفكار.

هناك من أستغلَّ هذا التحليل ونقله إلى مستوى جديد، بنجامين فرانكلين، الأب المؤسّس للولايات المتحدّة، فكان تحليل النصوص عنده الوسيلة لاتقان الكتابة، فكان له التأثير الراسخ في التاريخ ليومنا هذا.

طريقة فرانكلين كانت بسيطة، يقرأ كتابًا لكاتب يُعجب به، ويحاول أن يُقلّده!

التقليد كان أعمق من نسخ الكلمات والأسلوب، فرانكلين كان يقرا الجُمل، ويحاول أن يُلخِّص مُراد الكاتب بكلمات مفتاحية، يترك النصّ لفترة بسيطة، ثمَّ يُحاول صياغته بكلماته الخاصة.

المقارنة كانت عنصر أساسي في وصفة فرانكلين لاتقان الكتابة، فكان يُقارن باستمرار مدى تقاربه من ايصال الفكرة مع الكاتب الأصلي، وكان فرانكلين في بداياته لا يتسلّح بالمفردات المعبِّرة، لكنّ المقارنة المستمرّة مكنته من تطوير المَلَكة اللغوية.

إلى جانب ذلك، فرانكلين كان يتردّد بين الشعر والنثر، يحفظ الأبيات ويحاول أن يصوغ بعض الحكايات على مقطوعات شعرية، والشعر كما تعرفون يعتمد على كثافة المفردات وجودتها في أقصر عبارة مُمكنة، فمكّنه هذا من ايصال أفكاره بعبارات دقيقة، وبجودة لغوية تروق الناظرين.

أترككم مع ما قاله فرانكلين نفسه على هذا الموضوع وهو يصف عدد من مجلّة أعجبته صياغة نصوصها:

قرأتها مرارًا، كنت مشغوفًا بها، رأيتُ الكتابة رائعة، وتمنّيت لو قلّدتها، ومع هذه الأمنية أخذت بضعة أوراق، وكتبت بعض التلميحات حول أفكار الفقرات، وتركت الأمر لبضعة أيّام.
وبعدها، بدون النظر إلى الكتاب، حاولت وصل الكلمات وصياغة الورقة مجددًا كما كانت في السابق، وبالمفردات التي ترد على الخاطر، وبعدها قارنت المجلّة مع ما كتبتُ، وأيت بعض الأخطاء عندي وصحّحتها.